الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَتْ } * { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ فُرِجَتْ } * { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ نُسِفَتْ } * { وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } * { لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ } * { لِيَوْمِ ٱلْفَصْلِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ }

الفاء للتفريع على قولهإنما توعدون لواقع } المرسلات 7 لأنه لما أفاد وقوع البعث وكان الخاطبون ينكرونه ويتعللون بعدم التعجيل بوقوعه، بُيّن لهم ما يحصل قبله زيادة في تهويله عليهم. والإِنذار بأنه مؤخّر إلى أن تحصل تلك الأحداث العظيمة، وفيه كناية رمزية على تحقيق وقوعه لأن الأخبار عن أمارات حلول ما يوعدون يستلزم التحذير من التهاون به، ولذلك ختمت هذه الأخبار بقولهويل يومئذٍ للمكذبين } المرسلات 19. وكررت كلمة { إذَا } في أوائل الجمل المعطوفة على هذه الجملة بعد حروف العطف مع إغناء حرف العطف عن إعادة { إذا } كما في قولهفإذا برق البصر وخَسَف القمر وجُمع الشمس والقمر يقول الإِنسان } الآية القيامة 7 ـ 10، لإِفادة الاهتمام بمضمون كل جملة من هذه الجمل ليكون مضمونها مستقلاً في جعله علامة على وقوع ما يوعدون. وطَمْسُ النجوم زوال نورها، وأن نور معظم ما يلوح للناس من النجوم سببه انعكاس أشعة الشمس عليها حين احتجاب ضوء الشمس على الجانب المُظلم من الأرض، فطمس النجوم يقتضي طمس نور الشمس، أي زوَال التهابها بأن تبرد حرارتها، أو بأن تعلو سطحها طبقة رمادية بسبب انفجارات من داخلها، أو بأن تتصادم مع أجرام سماوية أخرى لاختلال نظام الجاذبية فتندك وتتكسر قِطعاً فيزول التهابها. ومعنى { فرجت } تفرّق ما كان ملتحماً من هيكلها، يقال فرج الباب إذا فتحه. والفرجة الفتحة في الجدار ونحوه. فإذا أريد بالسماء الجنس الصادق بجميع السماوات على طريقة العموم الحقيقي، أو الصادق بسماوات مشهورة على طريقة العموم العرفي وهي السماوات السبع التي يعبر أهل الهيئة عنها بالكواكب السيارة جاز أن يكون فَرج السماوات حدوث أخاديد عظيمة في الكواكب زيادة على طمس نورها. وإذا أريد بالسماء فرد معين معهود وهي ما نشاهده كالقبة الزرقاء في النهار وهي كرة الهواء، فمعنى { فرجت } فساد عناصر الجو بحيث تصير فيه طرائق مختلفة الألوان تبدو كأنها شقوق في كرة الهواء كما في قوله تعالىإذا السماء انشقت } الانشقاق 1 وكل ذلك مفض إلى انقراض العالم الدنيوي بجميع نظامه ومجموع أجسامه. والنسف قلع أجزاء الشيء بعضها عن بعض وتفريقها مثل الهدم. ونسف الجبال دكها ومصيرها تراباً مفرقاً، كما قال تعالىوكانت الجبال كثيباً مهيلاً } المزمل 14. وبناء هذه الأفعال الثلاثة بصيغة المبني للمجهول لأن المقصود الاعتبار بحصول الفعل لا بتعيين فاعله على أنه من المعلوم أن فاعلها هو الله تعالى إذ لا يقدر عليه غيره. وجُملة { وإذا الرسل أقتت } عطف على الجمل المتقدمة فهي تقييد لوقت حادث يحصل وهي مما جُعل مضمونها علامة على وقوع ما يوعدون به فيلزم أن يكون مضمونها مستقبل الحصول وفي نظم هذه الجملة غموض ودقة. فَأمّا { أُقتت } فأصله وُقتت بالواو في أوله، يقال وَقَّت وَقْتاً، إذا عين وقتاً لعمل ما، مشتقاً من الوقت وهو الزمان، فلما بني للمجهول ضمّت الواو وَهو ضم لازم احترازاً من ضمة

السابقالتالي
2 3