الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } * { وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } * { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } * { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } * { ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ }

تفريع على قولهيسأل أيان يوم القيامة } القيامة 6. فالضمير عائد إلى الإِنسان في قولهأيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } القيامة 3 أي لجهله البعث لم يستعد له. وحذف مفعول { كذّب } ليشمل كلَّ ما كذب به المشركون، والتقدير كذب الرسولَ والقرآنَ وبالبعث، وتولى عن الاستجابة لشرائع الإِسلام. ويجوز أن يكون الفاء تفريعاً وعطفاً على قولهإلى ربك يومئذٍ المساق } القيامة 30، أي فقد فارق الحياة وسيق إلى لقاء الله خالياً من العُدّة لذلك اللقاء. وفي الكلام على كلا الوجهين حذف يدل عليه السياق تقديره فقد علم أنه قد خسر وتندم على ما أضاعه من الاستعداد لذلك اليوم. وقد ورد ذلك في قوله تعالىإذا دُكّت الأرض دكاً دكاً وجاء ربك والملَك صفاً صفاً وجيء يومئذٍ بجهنم يومئذٍ يتذكر الإِنسان وأنّى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي } الفجر 21 ــــ 24. وفعل { صَدَّق } مشتق من التصديق، أي تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وهو المناسب لقوله { ولكن كذّب }. والمعنى فلا ءامن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبَعض المفسرين فَسَّر { صدَّق } بمعنى أعطى الصَّدَقة، وهو غير جار على قياس التصريف إذ حقه أن يقال تَصَدق، على أنه لا يساعد الاستدراك في قوله { ولكن كذب }. وعُطف { ولا صلّى } على نفي التصديق تشويهاً له بأن حاله مبائن لأحْوَال أهل الإِسلام. والمعنى فلم يؤمن ولم يسلم. و { لا } نافية دخلت على الفعل الماضي والأكثر في دخولها على الماضي أن يعطف عليها نفي آخر وذلك حين يقصد المتكلم أمرين مثل ما هنا وقول زهير
فَلا هو أخفاها ولم يتقدم   
وهذا معنى قول الكسائي «لا بمعنى لَم ولكنه يقرن بغيره يقول العرب لا عبدُ الله خارج ولا فلان، ولا يقولون مررت برجل لاَ محسنٍ حتى يقال ولا مجمل» اهـ فإذا لم يعطف عليه نفي آخر فلا يؤتى بعدها بفعل مُضِيَ إلاّ في إرادة الدعاء نحو «لا فُضَّ فُوك» وشذ ما خالف ذلك. وأما قوله تعالىفَلاَ اقْتَحَمَ العقَبَةَ } البلد 11 فإنّه على تأويل تكرير النّفي لأنّ مفعول الفعل المنفي بحرف { لا } وهو العقبة يتضمن عدة أشياء منفية بيَّنها قولهوما أدراك ما العقبة فكّ رقبة أو إطعام } إلى قولهمن الذين ءامنوا } البلد 12 ــ 17. فلما كان ذلك متعلق الفعل المنفي كان الفعل في تأويل تكرير النفي كأنه قيل فَكَّ رقبة ولا أطعَم يتيماً ولا أطعم مسكيناً ولا آمن. وجملة { ولكن كذب } معطوفة على جملة { فلا صدّق }. وحرف { لكن } المخفف النون بالأصالة أي الذي لم يكن مُخفَّفَ النون المشددة أختَ إنّ هو حرف استدراك، أي نقض لبعض ما تضمنته الجملة التي قبله إِما لمجرد توكيد المعنى بذكر نقيضه مثل قوله تعالى

السابقالتالي
2 3