الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

المراد بـ { يومئذٍ } يوم القيامة الذي تكرر ذكره بمثل هذا ابتداءً من قولهيقول الإِنسان يومئذٍ أين المفر } القيامة 10، وأعيد مرتين. والجملة المقدرة المضاف إليها إذْ، والمعوَّضُ عنها التنوين تقديرها يوم إذ بَرَق البصر. وقد حصل من هذا تخلص إلى إجمال حال الناس يوم القيامة بين أهل سعادة وأهل شقاوة. فالوجوه الناضرة وجوه أهل السعادة والوجوه الباسرة وجوه أهل الشقاء، وذلك بين من كلتا الجملتين. وقد علم الناس المعنيَّ بالفريقين مما سبق نزوله من القرآن كقوله في سورة عبس 40 ـ 42وَوُجوه يومئذٍ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة } فعُلم أن أصل أسباب السعادة الإِيمان بالله وحده وتصديق رسُوله صلى الله عليه وسلم والإِيمان بما جاء به الرسول، وأن أصل أسباب الشقاء الإشراك بالله وتكذيب الرسول ونبذ ما جاء به. وقد تضمن صدر هذه السورة ما ينبى بذلك كقولهأيحسب الإِنسان أن لن نجمع عظامه } القيامة 3 وقولهبل يريد الإِنسان ليفجر أمامه } القيامة 5. وتنكير { وجوه } للتنويع والتقسيم كقوله تعالىفريقٌ في الجنة وفريق في السعير } الشورى 7 وقول الشاعر وهو من أبيات «كتاب الآداب» ولم يعزُه ولا عَزَاهُ صاحبُ «العُباب» في شرحه
فيومٌ علينا ويومٌ لنا ويومٌ نُساء ويوم نُسَر   
وقول أبي الطيب
فيوماً بخيل تَطْرُد الروم عنهم وَيْومٌ بِجُود تَطرد الفَقر والجَدْبا   
فالوجوه الناضرة الموصوفةُ بالنضْرة بفتح النون وسكون الضاد وهي حسن الوجه من أثر النعمة والفرح، وفعله كنصَر وكرُم وفرِح، ولذلك يقال ناضر ونَضير ونَضِر، وكُني بنضرة الوجوه عن فرح أصحابها ونعيمهم، قال تعالى في أهل السعادةتعرف في وجوههم نضرة النعيم } المطففين 24 لأن ما يحصل في النفس من الانفعالات يظهر أثره. وأخبر عنها خبراً ثانياً بقوله { إلى ربها ناظرة } وظاهر لفظ { ناظرة } أنه من نظَر بمعنى عايَن ببصره إعلاناً بتشريف تلك الوجوه أنها تنظر إلى جانب الله تعالى نظراً خاصاً لا يشاركها فيه من يكون دون رتبهم، فهذا معنى الآية بإجماله ثابت بظاهر القرآن وقد أيدتها الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة " أن أناساً قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال هَل تُضَارُّون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً؟ قلنا لا، قال فإنكم لا تُضَارُّون في رؤية ربكم يومئذٍ إلاّ كما تضارون في رؤيتهما " وفي رواية «فإنكم ترونه كذلك» وساق الحديث في الشفاعة. وروى البخاري " عن جرير بن عبد الله قال «كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر قال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامُون في رؤيته» وربما قال «سترون ربكم عياناً» "

السابقالتالي
2 3