الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } * { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } * { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }

{ كلاّ }. { كلاَّ } حرف ردع وإبطال. والغالب أن يقع بعد كلام من متكلم واحد أوْ من متكلم وسامعٍ مثل قوله تعالىقال أصحاب موسى إنا لمُدْرَكون قال كلا إن معي ربي سيهدين } الشعراء 61، 62 فيفيد الردع عما تضمنه الكلام المحكي قبله. ومنه قوله تعالىكلا سنكتب ما يقول } في سورة مريم 79، ويجوز تقديمه على الكلام إذا أريد التعجيلُ بالردع والتشويقُ إلى سماع ما بعده، وهو هنا محتمل لأن يكون إبطالاً لما قبله من قولهم فإذا أراد الله بهذا مثلاً، فيكون ما بينهما اعتراضاً ويكون قوله { والقمرِ } ابتداء كلام فيحسن الوقف على { كلاّ }. ويحتمل أن يكون حرف إبطال مقدماً على الكلام الذي بعده من قوله { إنها لإِحدى الكبر نذيراً للبشر } تقديم اهتمام لإِبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله { نذيراً للبشر، } أي من حقهم أن ينتذروا بها فلم ينتذر أكثرهم على نحو معنى قولهوأنَّى له الذكرى } الفجر 23 فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها. { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ نَذِيراً لِّلْبَشَرِ لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ } الواو المفتتح بها هذه الجملة واو القسم، وهذا القسم يجوز أن يكون تذييلاً لما قبله مؤكِّداً لما أفادته { كَلاّ } من الإِنكار والإِبطال لمقالتهم في شأن عدة خزنة النار، فتكون جملة { إِنها لإِحدى الكبر } تعليلاً للإِنكار الذي أفادته { كَلاّ } ويكون ضمير { إنها } عائداً إلىسقَر } المدثر 26، أي هي جديرة بأن يتذكر بها فلذلك كان من لم يتذكر بها حقيقاً بالإِنكار عليه وردعه. وجملة القسم على هذا الوجه معترضة بين الجملة وتعليلها، ويحتمل أن يكون القسم صدراً للكلام الذي بعده وجملة { إنها لإِحدى الكبر } جواب القسم والضمير راجع إلى { سقَر } ، أي أن سقر لأعظم الأهوال، فلا تجزي في معاد ضمير { إنها } جميع الاحتمالات التي جرت في ضميروما هي إلاّ ذكرى } المدثر 31. وهذه ثلاثة أيمان لزيادة التأكيد فإن التأكيد اللفظي إذا أكد بالتكرار يكرر ثلاث مرات غالباً، أقسم بمخلوق عظيم، وبحالين عظيمين من آثار قدرة الله تعالى. ومناسبة القَسَم بـ { القمر والليل إذ أدبر والصبحُ إذا أسفر } أن هذه الثلاثة تظهر بها أنوار في خلال الظلام فناسبت حالي الهدى والضلال من قولهكذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء } المدثر 31 ومن قولهوما هي إلاّ ذكرى للبشر } المدثر 31 ففي هذا القسَم تلويح إلى تمثيل حال الفريقين من الناس عند نزول القرآن بحال اختراق النور في الظلمة. وإدبار الليل اقتراب تقضيه عند الفجر، وإسفار الصبح ابتداء ظهور ضوء الفجر. وكل من { إذْ } و { إذَا } واقعان اسمي زمان منتصبان على الحال من الليل ومن الصبح، أي أُقسم به في هذه الحالة العجيبة الدالة على النظام المحكم المتشابه لمحو الله ظلمات الكفر بنور الإِسلام قال تعالى

السابقالتالي
2 3