الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } * { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } * { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } * { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }

جملة { سأُصليه سقر } مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قولهإنه فكّر وقدّر } المدثر 18 إلى آخر الآيات فذكر وعيده بعذاب الآخرة. ويجوز أن تكون بدلاً من جملة { سأرهق صعوراً }. والإِصلاء جعل الشيء صالياً، أي مباشراً حرَّ النار. وفعل صَلِيَ يطلق على إحساس حرارة النار، فيكون لأجل التدَفّىء كقول الحارث بن حِلزة
فتنورتَ نارها من بعيد بخزازَى أيَّانَ منكَ الصلاء   
أي أنت بعيد من التدفىء بها وكما قال حُمَيد بن ثَوْر
لا تصطلي النارَ إلاّ مِجْمَرا أرِجَا قد كَسَّرت من يَلْنَجُوجٍ له وَقَصَا   
ويطلق على الاحتراق بالنار قال تعالىسَيصلَى ناراً ذات لهب } في سورة أبي لهب 3 وقالفأنذرتكم ناراً تلظَّى لا يصلاَها إلاّ الأشقى } في سورة الليل 14، 15، وقالوسيَصلون سعيراً } في سورة النساء 10، والأكثر إذا ذكر لفعل هذه المادة مفعول ثان من أسماء النار أن يكون الفعل بمعنى الإِحراق كقوله تعالىفسوف نُصليه ناراً } في سورة النساءِ 30. ومنه قوله هنا سأُصليه سقر. وسقر علَم لطبقة من جهنم، عن ابن عباس أنه الطبق السّادس من جهنم. قال ابن عطية سقر هو الدرك السادس من جهنم على ما روي ا هـ. واقتصر عليه ابنُ عطية. وجرى كلام جمهور المفسرين بما يقتضي أنهم يفسّرون سقر بما يرادف جهنم. وسقر ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث لأنه اسم بُقعة من جهنم أو اسم جهنم وقد جرى ضمير سقر على التأنيث في قوله تعالى { لا تُبقي } إلى قوله { عليها تسعة عشر }. وقيل سقر معرَّب نقله في «الإِتقان» عن الجواليقي ولم يذكر الكلمة المعرّبة ولا من أية لغة هو. و { ما أدراك ما سقر } جملة حالية من { سقر } ، أي سقر التي حالها لا ينبئك به مُنبىء وهذا تهويل لحالها. و { ما سقر } في محل مبتدإ وأصله سقر مَّا، أي ما هي، فقدّم { ما } لأنه اسم استفهام وله الصدارة. فإن { ما } الأولى استفهامية. والمعنى أيُّ شيء يدريك، أي يعلمك. و { ما } الثانية استفهامية في محل رفع خبر عن { سقر }. وجملة { لا تبقي } بدل اشتمال من التهويل الذي أفادته جملة { وما أدراك ما سَقر } ، فإن من أهوالها أنها تهلك كل من يصلاها. والجملة خبر ثان عن سقر. وحذف مفعول { تبقي } لقصد العموم، أي لا تبقي منهم أحداً أو لا تبقي من أجزائهم شيئاً. وجملة { ولا تذر } عطف على { لا تبقي } فهي في معنى الحال، ومعنى { لا تذر } ، أي لا تترك من يلقَى فيها، أي لا تتركه غير مصلي بعذابها. وهذه كناية عن إعادة حياته بعد إهلاكه كما قال تعالىكلما نَضِجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب } النساء 56. و { لوّاحة } خبر ثالث عن { سقر }. و { لوّاحة } فعَّالة، من اللّوح وهو تغيير الذات من ألمٍ ونحوه، وقال الشاعر، وهو من شواهد «الكشاف» ولم أقف على قائله

السابقالتالي
2