الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } * { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } * { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ نَظَرَ } * { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } * { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } * { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ }

جملة { سأُرهقه صعوداً } معترضة بينإنه كان لآياتنا عنيداً } المدثر 16 وبين { إنه فكّر وقدَّر } ، قصد بهذا الاعتراض تعجيل الوعيد له مسَاءَة له وتعجيلُ المسرة للنبي صلى الله عليه وسلم. وجملة { إنه فكَّر وقدَّر } مبيِّنة لجملة { إنه كان لآياتنا عنيداً } فهي تكملة وتبيين لها. والإرهاق الإِتعاب وتحميل ما لا يطاق، وفعله رهِق كفرِح، قال تعالىولا ترهقني من أمري عسراً } في سورة الكهف 73. والصَّعود العقبة الشديدة التَّصعد الشاقة على الماشي وهي فَعول مبالغة من صَعِد، فإن العقبة صَعْدة، فإذا كانت عقبة أشد تصعداً من العقبات المعتادة قيل لها صَعُود. وكأنَّ أصل هذا الوصف أن العقبة وُصفت بأنها صاعدة على طريقة المجاز العقلي ثم جعل ذلك الوصف اسمَ جنس لها. وقوله { سأرهقه صعوداً } تمثيل لضد الحالة المجملة في قولهومَهَّدت له تمهيداً } المدثر 14، أي سينقلب حاله من حال راحة وتنعم إلى حالة سُوأى في الدنيا ثم إلى العذاب الأليم في الآخرة، وكل ذلك إرهاق له. قيل إنه طال به النزع فكانت تتصاعد نفسه ثم لا يموت وقد جعل له من عذاب النار ما أسفر عنه عذاب الدنيا. وقد وُزع وعيده على ما تقتضيه أعماله فإنه لما ذُكر عناده وهو من مقاصِدهِ السيئة الناشئة عن محافظته على رئاسته وعن حسده النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من الأغراض الدنيوية عقّب بوعيده بما يشمل عذاب الدنيا ابتداء. ولما ذُكر طعنه في القرآن بقوله { إنْ هذا إلاّ سحر يؤثر } وأنكر أنه وحي من الله بقوله { إن هذا إلاّ قول البشر } أُردف بذكر عذاب الآخرة بقولهسأُصليه سَقر } المدثر 26. وعن النبي صلى الله عليه وسلم " أن صَعوداً جبل في جهنم يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فيه كذلك أبداً " ، رواه الترمذي وأحمد عن أبي سعيد الخدري. وقال الترمذي هو حديث غريب. فجعل الله صفة صعود علَماً على ذلك الجبل في جهنم. وهذا تفسير بأعظم ما دل عليه قوله تعالى { سأرهقه صعوداً }. وجملة { إنه فكر وقدر } إلى آخرها بدل من جملةإنه كان لآياتنا عنيداً } المدثر 16 بدل اشتمال. وقد وصف حاله في تردده وتأمله بأبلغ وصف. فابتدىء بذكر تفكيره في الرأي الذي سيصدر عنه وتقديره. ومعنى { فكّر } أعمل فكره وكرّر نظر رأيه ليبتكر عذراً يموهه ويروّجه على الدهماء في وصف القرآن بوصف كلام الناس ليزيل منهم اعتقاد أنه وحي أوحي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. و { قَدَّر } جعل قَدْراً لما يخطر بخاطره أن يصف به القرآن ليعرضه على ما يناسب ما يُنحله القرآنَ من أنواع كلام البشر أو ما يَسِم به النبي صلى الله عليه وسلم من الناس المخالفةِ أحوالهم للأحوال المعتادة في الناس مثال ذلك أن يقول في نفسه، نقول محمد مجنون، ثم يقول المجنون يُخنق ويتخالج ويوسوس وليس محمد كذلك،، ثم يقول في نفسه هو شاعر، فيقول في نفسه لقد عرفتُ الشّعر وسمعت كلام الشّعراء فما يشبه كلام محمّد كلام الشّاعر، ثم يقول في نفسه كاهن، فيقول في نفسه ما كلامه بزمزمة كاهن ولا بسجعه، ثم يقول في نفسه نقول هو ساحر فإن السحر يفرق بين المرء وذويه ومحمد يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فقال للناس نقول إنه ساحر.

السابقالتالي
2 3