الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } * { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } * { لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } * { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } * { إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } * { فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ } * { وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } * { وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ } * { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ }

استثناء منقطع ناشىء عن الوعيد المبتدأ به من قولهيودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذٍ } المعارج 11 الآية. فالمعنى على الاستدراك. والتقدير لكن المصلين الموصوفين بكَيْت وكَيْتِ أولئك في جنات مكرمون. فجملة { أولئك في جنات مكرمون } حيث وقعت بعد { إلاَّ } المنقطعة وهي بمعنى لكنَّ فلها حكم الجملة المخبر بها عن اسم لكنَّ المشددة أو عن المبتدأ الواقع بعد لكنْ المخففة وهو ما حققه الدماميني، وإن كان ابن هشام رأى عدّ الجملة بعد الاستثناء المنقطع في عداد الجمل التي لا محلّ لها من الإِعراب. والكلام استئناف بياني لمقابلة أحوال المؤمنين بأحوال الكافرين، ووعدهم بوعيدهم على عادة القرآن في أمثال هذه المقابلة. وهذه صفات ثمان هي من شعار المسلمين، فعدل عن إحضارهم بوصف المسلمين إلى تعداد خصال من خصالهم إطناباً في الثناء عليهم لأن مقام الثناء مقام إطناب، وتنبيهاً على أن كلّ صلة من هذه الصلات الثمان هي من أسباب الكون في الجنات. وهذه الصفات لا يشاركهم المشركون في معظمها بالمرة، وبعضها قد يتصف به المشركون ولكنهم لا يراعونه حق مراعاته باطراد، وذلك حفظ الأمانات والعهد، فالمشرك يحفظ الأمانة والعهد اتقاء مذمة الخيانة والغدْر، ومع أحلافه دون أعدائِه، والمشرك يشهد بالصدق إذا لم يكن له هوى في الكذب، وإذا خشي أن يوصم بالكذب. وقد غدر المشركون بالمسلمين في عدة حوادث، وغدر بعضهم بعضاً، فلو علم المشرك أنه لا يطلع على كذبه وكان له هوى لم يؤد الشهادة. ولما كان وصف { المصلين } غلب على المسلمين كما دل عليه قوله تعالىما سلككم في سقَر قالوا لم نك من المصلين } الآية المدثر 42، 43، أتبع وصف المصلين في الآية هذه بوصف { الذين هم على صلاتهم دائمون } أي مواظبون على صلاتهم لا يتخلفون عن أدائها ولا يتركونها. والدوام على الشيء عدم تركه، وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواماً فيه، كما تقرر في أصول الفقه في مسألة إفادة الأمر التكرار. وفي إضافة صلاة إلى ضمير { المصلين } تنويه باختصاصها بهم، وهذا الوصف للمسلمين مُقابل وصف الكافرين في قولهبعذاب واقع للكافرين } المعارج 1، 2. ومجيء الصلة جملةً اسمية دون أن يقال الذين يدومون، لقصد إفادتها الثبات تقوية كمفاد الدوام. وإعادة اسم الموصول مع الصِّلات المعطوفة على قوله { الذين هم على صلاتهم دائمون } لمزيد العناية بأصحاب تلك الصِّلات. وتسمية ما يعطونه من أموالهم من الصدقات باسم { حق } للإِشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرط رغبتهم في مواساة إخوانهم إذ لم تكن الصدقة يومئذٍ واجبة ولم تكن الزكاة قد فرضت. ومعنى كون الحق معلوماً أنه يعلمه كل واحد منهم ويحسبونه، ويعلمه السائل والمحروم بما اعتاد منهم.

السابقالتالي
2 3