الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } * { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } * { يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } * { وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ } * { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } * { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } * { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } * { نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } * { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } * { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }

يجوز أن يتعلق { يوم تكون السماء } بفعلتعرج } المعارج 4، وأن يتعلق بـ { يَوَدُّ المجرم } قدم عليه للاهتمام بذكر اليوم فيكون قوله { يوم تكون السماء كالمهل } ابتداء كلام، والجملة المجعولة مبدأ كلام تجعل بدل اشتمال من جملة { ولا يسأل حميم حميماً } لأن عدم المساءلة مسبب عن شدة الهَول، ومما يشتمل عليه ذلك أن يود المَوَل لو يفتدي من ذلك العذاب. و { المُهل } دُردِيّ الزيتِ. والمعنى تشبيه السماء في انحلال أجزائها بالزيت، وهذا كقوله في سورة الرحمان 37فكانت وردة كالدِهان } والعِهن الصوف المصبوغ، قيل المصبوغ مطلقاً، وقيل المصبوغ ألواناً مختلفة وهو الذي درج عليه الراغب والزمخشري، قال زهير
كان فُتات العِهن في كل منزِلٍ نَزلْنَ به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّم   
والفنا بالقصر حب في البادية، يقال له عنب الثعلب، وله ألوان بعضه أخضر وبعضه أصفر وبعضه أحمر. والعهنة شجر بالبادية لها ورد أحمر. ووجه الشبه بالعهن تفرق الأجزاء كما جاءت في آية القارعة 5وتكون الجبال كالعهن المنفوشِ } فإيثار العهن بالذكر لإِكمال المشابهة لأن الجبال ذات ألوان قال تعالىومن الجبال جُدد بيضٌ وحُمْرٌ مختلف ألوانها } فاطر 27. وإنما تكون السماء والجبال بهاته الحالة حين ينحلّ تماسك أجزائهما عند انقراض هذا العالم والمصيرِ إلى عالم الآخرة. ومعنى { ولا يَسأل حميم حميماً } لشدة ما يعتري الناس من الهول فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله لأنه في شاغل عنه، فحذف متعلق { يسأل } لظهوره من المقام ومن قوله { يبصِّرونهم } أي يبصر الأخلاء أحوال أخلائهم من الكرب فلا يسأل حميم حميماً، قال كعب بن زهير
وقال كل خليل كنتُ ءآمُله لا أُلْهِيَنَّك إِني عنك مشغول   
والحميم الخليل الصديق. وقرأ الجمهور بفتح ياء { يَسأل } على البناء للفاعل. وقرأه أبو جعفر والبزي عن ابن كثير بضم الياء على البناء للمجهول. فالمعنى لا يُسأل حميم عن حميم بحذف حرف الجر. وموقع { يبصّرونهم } الاستئناف البياني لدفع احتمال أن يقع في نفس السامع أن الأحِمَّاء لا يرى بعضهم بعضاً يومئذٍ لأن كل أحد في شاغل، فأجيب بأنهم يكشف لهم عنهم ليروا ما هم فيه من العذاب فيزدادوا عذاباً فوق العذاب. ويجوز أن تكون جملة { يبصرونهم } في موضع الحال، أي لا يسأل حميم حميماً في حال أن كل حميم يبصر حميمه يقال له انظر مَاذا يقاسي فلان. و { يبصرونهم } مضارع بَصَّره بالأمر إذا جعله مبصراً له، أي ناظراً فأصله يبصَّرون بهم فوقع فيه حذف الجار وتعدية الفعل. والضميران راجعان إلى { حميم } المرفوع وإلى { حميماً } المنصوب، أي يبصر كل حميم حميمه فجمع الضميران نظراً إلى عموم { حمِيمٌ } و { حميماً } في سياق النفي. و { يودّ } يحب، أي يتمنى، وذلك إما بخاطر يخطر في نفسه عند رؤية العذاب.

السابقالتالي
2 3 4 5