الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ }

كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به، ويسألونه تعجيله، قال تعالىويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } يونس 48ويستعجلونك بالعذاب } الحج 47 وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالىوإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } الأنفال 32. وقيل إن السائل شخص معين هو النضر بن الحارث قالإن كان هذا أي القرآن هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } الأنفال 32. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يعينه على المشركين بالقحط فأشارت الآية إلى ذلك كله، ولذلك فالمراد بـ { سائل } فريقٌ أو شخص. والسؤال مستعمل في معنيي الاستفهام عن شيء والدعاء، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز. ويجوز أن يكون { سأل سائل } بمعنى استعجل وأَلَحّ. وقرأ الجمهور " سأل " بإظهار الهمزة. وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر " سَالَ " بتخفيف الهمزة ألفاً. قال في «الكشاف» وهي لغة قريش وهو يريد أن قريشاً قد يخففون المهموز في مقام الثقل وليس ذلك قياساً في لغتهم بل لغتهم تحقيق الهمز ولذلك قال سيبويه وليس ذا بقياس مُتْلَئِبَ أي مطرد مستقيم وإنما يحفظ عن العرب قال ويكون قياساً متلئباً، إذا اضطُر الشاعر، قال الفرزدق
راحتْ بِمسلمةَ البغال عشية فارْعَيْ فَزازةُ لا هَنَاكِ المَرتَع   
يريد لا هَنَأكِ بالهمز. وقال حسان
سَالتْ هُذْيلٌ رسولَ الله فاحشةً ضلتْ هُذيلٌ بمَا سَالت ولم تُصِبِ   
يريد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحَةَ الزنا. وقال القرشي زيدُ بن عمرو بن نفيل يذكر زَوجيه
سَألتَانِي الطلاقَ أنْ رَأتَاني قَلَّ مَالي قد جيتُمانِي بنُكْرِ   
فهؤلاء ليس لغتهم سَال ولا يَسَالُ وبلغنا أن سَلْتَ تَسَال لغة ا هـ. فجعل إبدال الهمز ألفاً للضرورة مطرداً ولغير الضرورة يُسمع ولا يقاس عليه فتكون قراءة التخفيف سماعاً. وذكر الطيبي عن أبي علي في الحجة أن من قرأ { سَالَ } غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة مثل قَال وخاف. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول هما متساوِلان. وقال في «الكشاف» يقولون أي أهل الحجاز سَلْتَ تَسَالُ وهما يتسَايلان، أي فهو أجوف يائي مثل هاب يهاب. وكل هذه تلتقي في أن نطق أهل الحجاز " سال " غيرَ مهموز سماعي، وليس بقياس عندهم وأنه إمّا تخفيف للهمزة على غير قياس مطرد وهو رأي سيبويه، وإما لغة لهم في هذا الفعل وأفعال أخرى جاء هذا الفعل أجوف واوياً كما هو رأي أبي علي أو أجوف يائياً كما هو رأي الزمخشري.

السابقالتالي
2 3