الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى { فأنجيناه } تعقيب لجملةوما كان جواب قومه } الأعراف 82 أو لجملةقال لقومه } الأعراف 80 وهذا التّعقيب يؤذن بأنّ لوطاً عليه السّلام أُرسل إلى قومه قبل حلول العذاب بهم بزمن قليل. و { أنجيّناه } مقدّم من تأخير. والتّقدير فأمطرنا عليهم مطراً وأنجيناه وأهلَه، فقدم الخبر بإنجاء لوط عليه السّلام على الخبر بإمطارهم مطرَ العذاب، لقصد إظهار الاهتمام بأمر إنجاء لوط عليه السّلام، ولتعجيل المسّرة للسّامعين من المؤمنين، فتطمئنّ قلوبهم لحسن عواقب أسلافهم من مؤمني الأمم الماضية، فيعلموا أنّ تلك سنّة الله في عباده، وقد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالىفكذّبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك } في هذه السّورة 64. وأهل لوط عليه السّلام هم زوجه وابنتان له بكران، وكان له ابنتان متزوّجتان كما ورد في التّوراة امتنع زوجاهما من الخروج مع لوط عليه السّلام فهلكتا مع أهل القرية. وأمّا امرأة لوط عليه السّلام فقد أخبر الله عنها هنا أنّ الله لم ينجها، فهلكت مع قوم لوط، وذكر في سورة هود ما ظاهره أنّها لم تمتثل ما أمر الله لوطاً عليه السّلام أن لا يلتفت هو ولا أحد من أهله الخارجين معه إلى المدن حين يصيبها العذاب فالتفتت امرأته فأصابها العذاب، وذكر في سورة التّحريم أنّ امرأة لوط عليه السّلام كانت كافرة. وقال المفسّرون كانت تُسِرّ الكفر وتظهر الإيمان، ولعلّ ذلك سبب التفاتها لأنّها كانت غير موقنة بنزول العذاب على قوم لوط، ويحتمل أنّها لم تخرج مع لوط عليه السّلام وإن قولهإلاّ امرأتك } في سورة هود 81، استثناء من { أهلك } لا من { أحد }. لعلّ امرأة لوط عليه السّلام كانت من أهل سَدوم تزوّجها لوط عليه السّلام هنالك بعد هجرته، فإنّه أقام في سدوم سنين طويلة بعد أن هلكت أمّ بناته وقبل أن يرسل، وليست هي أمّ بنتيه فإنّ التّوراة لم تذكر امرأة لوط عليه السّلام إلاّ في آخر القصّة. ومعنى { من الغابرين } من الهالكين، والغابر يطلق على المنقضي، ويطلق على الآتي، فهو من أسماء الأضداد، وأشهر إطلاقيه هو المنقضي، ولذلك يقال غَبر بمعنى هلك، وهو المراد هنا أي كانت من الهالكين، أي هلكت مع من هلك من أهل سدوم. والإمطار مشتقّ من المطر، والمطر اسم للماء النّازل من السّحاب، يقال مطرتهم السّماء ــــ بدون همزة ــــ بمعنى نزل عليهم المطر، كما يقال غاثتهم ووبلتهم، ويقال مكان ممطور، أي أصابه المطر، ولا يقال مُمْطَر، ويقال أمطروا ــــ بالهمزة ــــ بمعنى نزل عليهم من الجوّ ما يشبه المطر، وليس هو بمطر، فلا يقال هم ممطرون، ولكن يقال هم مُمْطَرون، كما قال تعالىوأمطَرنا عليهم حجارة من سجّيل } هود 82 ــــ وقالفأمْطِرْ علينا حجارة من السّماء }

السابقالتالي
2