الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

الواو في قوله { وإلى ثمود } مثلها في قولهوإلى عاد أخاهم هوداً } الأعراف 65، وكذلك القول في تفسيرها إلى قوله تعالى { من إله غيره }. وثمود أمّة عظيمة من العرب البائدة وهم أبناء ثمود بن جَاثَر ــــ بجيم ومثلّثة كما في «القاموس» ــــ ابن إرَم بن سام بن نوح فيلتقون مع عاد في إرَم وكانت مساكنهم بالحِجْر ــــ بكسر الحاء وسكون الجيم ــــ بَين الحجاز والشّام، وهو المكان المسمّى الآن مَدائِن صالح وسُمّي في حديث غزوة تبوك حِجْرَ ثَمُودَ. وصالحٌ هو ابن عَبِيل ــــ بلام في آخره وبفتح العينْ ــــ ابن آسف بن ماشج أو شالخ بن عَبيل بن جاثر ــــ ويقال كاثرَ ــــ ابن ثمود. وفي بعض هذه الأسماء اختلاف في حروفها في كتب التاريخ وغيرها أحسبه من التّحريف وهي غير مضبوطة سوى عبيل فإنّه مضبوط في سَميه الذي هو جَد قبيلةٍ، كما في «القاموس». وثمودَ هنا ممنوع من الصّرف لأنّ المراد به القبيلة لا جدّها. وأسماء القبائل ممنوعة من الصّرف على اعتبار التّأنيث مع العلميّة وهو الغالب في القرآن، وقد ورد في بعض آيات القرآن مصروفاً كما في قوله تعالىألاَ إنّ ثموداً كفروا ربّهم } هود 68 على اعتبار الحيّ فينتفي موجب منع الصّرف لأنّ الاسم عربي. وقوله { ما لكم من إله غيره } يدلّ على أنّ ثمود كانوا مشركين، وقد صُرح بذلك في آيات سورة هود وغيرها. والظّاهر أنّهم عبدوا الأصنام التي عبدتها عاد لأنّ ثمود وعادا أبناء نسب واحد، فيشبه أن تكون عقائدهم متماثلة. وقد قال المفسّرون أنّ ثمود قامت بعد عاد فنمَتْ وعظمت واتسعت حضارتها، وكانوا مُوحدين، ولعلّهم اتّعظوا بما حلّ بعاد، ثمّ طالت مدّتهم ونعم عيشهم فَعَتوا ونسُوا نعمة الله وعَبَدوا الأصنام فأرسل الله إليهم صالحاً رسولاً يدعوهم إلى التّوحيد فلم يتَّبعه إلاّ قليل منهم مُستضعفون، وعصاه سادتهم وكبراؤهم، وذكر في آية سورة هود أنّ قومه لم يغلظوا له القول كما أغلظت قوم نوح وقوم هود لرسولهم، فقدقالوا يا صالح قد كنتَ فينا مرجُوّا قبل هذا أتَنْهَانا أن نعبد ما يَعْبُد آباؤُنا وإننا لفي شكّ ممَّا تدعُونا إليه مُريب } هود 62. وتدلّ آيات القرآن وما فُسّرت به من القصص على أنّ صالحاً أجَّلهم مدّة للتّأمّل وجعل النّاقة لهم آية، وأنّهم تَارَكُوها ولم يُهيجوها زمناً طويلاً. فقد أشعرت مجادلتهم صالحاً في أمر الدّين على أنّ التّعقّل في المجادلة أخذ يدبّ في نفوس البشر، وأنّ غُلواءهم في المكابرة أخذت تقصر، وأنّ قناة بأسهم ابتدأت تلين، للفرق الواضح بين جواب قوم نوح وقوممِ هود، وبين جواب قوم صالح. ومن أجل ذلك أمهلهم الله ومادّهم لينظروا ويفكّروا فيما يدعوهم إليه نبئهم ولِيَزِنوا أمرهم، وجعل لهم الانكفاف عن مسّ النّاقة بسوء علامة على امتداد الإمهال لأنّ انكفافهم ذلك علامة على أنّ نفوسهم لم تحْنق على رسولهم، فرجاؤه إيمانهم مستمرّ، والإمهال لهم أقطعُ لعذرهم، وأنهض بالحجّه عليهم، فلذلك أخّر الله العذاب عنهم إكراماً لنبيّهم الحريص على إيمانهم بقدر الطّاقة، كما قال تعالى لنوح

السابقالتالي
2 3