{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ }. هذا مماثل قولَ نوح لقومه وقد تقدّم آنفاً سبب المماثلة. وتقدّم من قبل تفسير نظيره. { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِى ٱلْخَلْقِ بَسْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. يجوز أن يكون قوله { واذكروا } عطفاً على قوله{ اعبدوا } الأعراف 65 ويكونَ ما بينهما اعتراضاً حكي به ما جرى بينه وبين قومه من المحاورة التي قاطعوه بها عقب قوله لهم{ اعبدوا الله } الأعراف 65، فلمّا أتمّ جوابهم عمّا قاطعوا به كلامه عاد إلى دعوته، فيكون رجوعاً إلى الدّعوى، ويجوز أن يكون عطفاً على قوله { أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم } أي لا تنكروا أن جاءكم ذكر من ربّكم واذكروا نعمته عليكم، فيكون تكملة للاستدلال، وإيّاً مّا كان فالمآل واحد، وانتقل من أمرهم بالتّوحيد إلى تذكيرهم بنعمة الله عليهم التي لا ينكرون أنّها من نعم الله دون غيره، لأنّ الخلق والأمر لله لا لغيره. تذكيراً من شأنه إيصالهم إلى إفراد الله تعالى بالعبادة. وإنّما أمرهم بالذّكر بضمّ الذّال لأنّ النّفس تنسى النّعم فتكفر المنعم، فإذا تذكّرت النّعمة رأتْ حقاً عليها أن تشكر المُنعم، ولذلك كانت مسألة شكر المنعم من أهمّ مسائل التّكليف، والاكتفاء بحسنه عقلاً عند المتّكلمين سواء منهم من اكتفى بالحس العقلي ومن لم يكتف به واعتَبر التوقّفَ على الخطاب الشّرعي. و { إذْ } اسم زمان منصوب على المفعول به، وليس ظرفاً لعدم استقامة المعنى على الظرفية، والتّحقيق أن إذْ لا تلازم الظرفية بل هي ظرف متصرّف، وهو مختار صاحب «الكشاف»، والمعنى اذكروا الوقت الذي ظهرت فيه خلافتكم عن قوم نوح في تعمير الأرض والهيمنة على الأمم، فإنّ عادا كانوا ذوي قوّة ونعمة عظيمة{ وقالوا من أشَدّ منّا قوّة } فصلت 15. فالخلفاء جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء، أي يتولى عمل ما كان يعمله الآخَر، وقد تقدّم عند قوله تعالى{ إنّي جاعل في الأرض خليفة } في سورة البقرة 30، فالمراد جعلكم خلفاء في تعمير الأرض، ولما قال من بعد قوم نوح } عُلم أنّ المقصود أنّهم خلفاء قوم نوح، فعادٌ أوّل أمّة اضطلعت بالحضارة بعد الطّوفان، وكان بنو نوح قد تكاثروا وانتشروا في الأرض، في أرمينية والموصل والعراق وبلاد العرب، وكانوا أمماً كثيرة، أو كانت عاد عظم تلك الأمم وأصحاب السّيادة على سائر الأمم، وليس المراد أنّهم خلفوا قوم نوح في ديارهم لأنّ منازل عاد غيرُ منازل قوم نوح عند المُؤرّخين، وهذا التّذكير تصريح بالنّعمة، وتعريض بالنّذارة والوعيدِ بأنّ قوم نوح إنّما استأصلهم وأبَادَهم عذابٌ من الله على شركهم، فمن اتبعهم في صنعهم يوشك أن يحلّ به عذاب أيضاً.