الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } * { قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } * { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ }

{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوۤاْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ قَالَ ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ مِّن ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ فِي ٱلنَّارِ }. الفاء للتّفريع على جملة الكلام السّابق، وهذه كالفذلكة لما تقدّم لتُبيِّن أنّ صفات الضّلال، التي أُبهم أصحابُها، هي جافة بالمشركين المكذّبين برسالة محمّد عليه الصّلاة والسّلام فإنّ الله ذكر أولياء الشّياطين وبعض صفاتهم بقولهإنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون } الأعراف 27 وذكر أنّ الله عهد لبني آدم منذ القدم بأن يتّبعوا من يجيئهم من الرّسل عن الله تعالى بآياته ليتّقوا ويصلحوا، ووعدهم على اتباع ما جاءهم بيني الخوف والحزن وأوعدهم على التّكذيب والاستكبار بأن يكونوا أصحاب النّار، فقد أعذر إليهم وبصّرهم بالعواقب، فتفرّع على ذلك أن من كَذَب على الله فزعم أنّ الله أمره بالفواحش، أوْ كَذب بآيات الله التي جاء بها رسوله، فقد ظلم نفسه ظُلماً عظيماً حتّى يُسْأل عمن هو أظلم منه. ولك أن تجعل جملةفمن أظلم ممن افترى } الأنعام 144 إلخ معترضة بين جملةأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } الأعراف 36 وجملة { أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب } كما سيأتي في موقع هذه الأخيرة، وقد تقدّم الكلام على تركيب { من أظلم ممن } عند قوله تعالىومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } في سورة البقرة 114، وأنّ الاستفهام للإنكار، أي لا أحد أظلم. والافتراء والكذب تقدّم القول فيهما عند قوله تعالىولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } في سورة العقود 103. ولهذه الآية اتّصال بآيةوكم من قرية أهلكناها } الأعراف 4 من حيث ما فيها من التّهديد بوعيد عذاب الآخرة وتفظيع أهواله. ومن استفهام إنكاري مستعمل في تهويل ظلم هذا الفريق، المعبّر عنه بمَن افترى على الله كذباً. ومَنْ الثّانية موصولة، وهي عامة لكلّ من تتحقّق فيه الصّلة، وإنّما كانوا أظلم النّاس ولم يكن أظلمُ منهم، لأنّ الظلم اعتداء على حقّ، وأعظم الحقوق هي حقوق الله تعالى، وأعظم الاعتداء على حقّ الله الاعتداءُ عليه بالاستخفاف بصاحبه العظيم، وذلك بأن يكذّب بما جاءه من قِبله، أو بأن يَكْذِب عليه قيبلِّغ عنه ما لم يأمر به فإنْ جَمَع بين الأمرين فقد عطّل مراد الله تعالى من جهتين جهة إبطال ما يدلّ على مراده، وجهة إيهام النّاس بأنّ الله أراد منهم ما لا يريده الله. والمراد بهذا الفريق هم المشركون من العرب، فإنّهم كذّبوا بآيات الله التي جاء بها محمّد صلى الله عليه وسلم وافتروا على الله الكذب فيما زعموا أنّ الله أمرهم به من الفواحش، كما تقدّم آنفاً عند قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9