الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }

يجيء في موقع هذه الجملة من التّأويل، ما تقدّم في القولِ في نظيرتها وهي قوله تعالىيا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم } الأعراف 26. والتّأويل الذي استظهرنا به هنالك يبدو في هذه النظيرة الرّابعة أوضحَ. وصيغة الجمع في قوله { رسل } ــــ وقوله ــــ { يقصون } تقتضي توقّع مجيءِ عدّةِ رسل، وذلك منتف بعد بعثة الرّسول الخاتم للرّسل الحاشر العاقب عليه الصّلاة والسّلام، فذلك يتأكّد أن يكون هذا الخطاب لبني آدم الحاضرين وقت نزول القرآن، ويرجح أن تكون هذه النّداآت الأربعة حكاية لقوللٍ موجّه إلى بني آدم الأوّلين الذي أوّلُهقال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } الأعراف 25. قال ابن عطيّة «وكأنّ هذا خطاب لجميع الأمم، قديمها وحديثها، هو متمكّن لهم، ومتحصّل منه لحاضري محمّد صلى الله عليه وسلم أنّ هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه» يريد أنّ الله أبلغ النّاس هذا الخطابَ على لسان كلّ نبيء، من آدم إلى هلم جرّا، فما من نبيء أو رسول إلاّ وبلَّغه أمَّته، وأمَرَهم بأن يبلغ الشّاهد منهم الغائبَ، حتّى نزل في القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم فعلمت أمّته أنّها مشمولة في عموم بني آدم. وإذا كان ذلك متعيّناً في هذه الآية أو كالمتعيّن تعيّن اعتبار مثله في نظائرها الثّلاث الماضية، فشد به يدك. ولا تعبأْ بمن حَرَدك. فأمَا إذا جعل الخطاب في هذه الآية موجّهاً إلى المشركين في زمن النّزول، بعنوان كونهم من بني آدم، فهنالك يتعيّن صرف معنى الشّرط إلى ما يأتي من الزّمان بعد نزول الآية لأنّ الشّرط يقتضي الاستقبال غالباً. كأنّه قيل إنْ فاتكم اتّباع ما أنزل إليكم فيما مضى لا يَفْتُكم فيما بقي، ويتعيّن تأويل يأتينّكم بمعنى يَدْعُونَّكم، ويتعيَّن جعل جمع الرّسل على إرادة رسول واحد، تعظيماً له، كما في قوله تعالىوقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم } الفرقان 37 أي كذّبوا رسوله نُوحا، وقولهكذبت قوم نوح المرسلين } الشعراء 105 وله نظائر كثيرة في القرآن. وهذه الآية، والتي بعدها متّصلتا المعنى بمضمون قوله تعالى في أوّل السّورةوكم من قرية أهلكناها } الأعراف 4 الآية اتّصال التّفصيل بإجماله. أكد به تحذيرهم من كيد الشّيطان وفتونه، وأراهم به مناهج الرّشد التي تُعين على تجنّب كيده، بدعوة الرّسل إياهم إلى التّقوى والإصلاح، كما أشار إليه بقوله، في الخطاب السّابقيا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } الأعراف 27 وأنبأهم بأنّ الشّيطان توعَّد نوع الإنسان فيما حكى الله في قولهقال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم } الأعراف 16 الآية فلذلك حذرّ الله بني آدم من كيد الشّيطان، وأشعرهم بقوّة الشّيطان بقولهإنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم }

السابقالتالي
2 3 4