الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

إذا جرينا على ظاهر التّفاسير كان قوله { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } الآية استئنافاً ابتدائياً، عاد به الخطاب إلى سائر النّاس الذين خوطبوا في أوّل السّورة بقولهاتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } الأعراف 3 الآيات، وهم أمّة الدّعوة، لأنّ الغرض من السّورة إبطال ما كان عليه مشركو العرب من الشّرك وتوابعه من أحوال دينهم الجاهلي، وكان قولهولقد خلقناكم ثم صورناكم } الأعراف 11 استطراداً بذكر منّة الله عليهم وهم يكفرون به كما تقدّم عند قوله تعالى { ولقد خلقناكم } فخاطبتْ هذه الآية جميع بني آدم بشيء من الأمور المقصودة من السّورة فهذه الآية كالمقدّمة للغرض الذي يأتي في قولهيا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الأعراف 31 ووقوعها في أثناء آيات التّحذير من كيد الشّيطان جعلها بمنزلة الاستطراد بين تلك الآيات وإن كانت هي من الغرض الأصلي. ويجوز أن يكون قوله { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } وما أشبهه ممّا افتتح بقوله { يا بني آدم } أربعَ مرّات، من جملة المقول المحكي بقولهقال فيها تحيون } الأعراف 25 فيكون ممّا خاطب الله به بني آدم في ابتداء عهدهم بعمران الأرض على لسان أبيهم آدمَ، أو بطريق من طرق الإعلام الإلهي، ولو بالإلهام، لما تَنشأ به في نفوسهم هذه الحقائق، فابتدأ فأعلمهم بمنَّته عليهم أن أنزل لهم لباساً يواري سَوْآتهم، ويتجمّلون به بمناسبة ما قصّ الله عليهم من تعري أبويهم حين بدت لهما سَوءاتُهما، ثمّ بتحذيرهم من كيد الشّيطان وفتنته بقولهيا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } الأعراف 27 ثمّ بأن أمرهم بأخذ اللّباس وهو زينة الإنسان عند مواقع العبادة لله تعالى بقولهيا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الأعراف 31، ثمّ بأن أخذ عليهم العهد بأن يُصدّقوا الرّسل وينتفعوا بهديهم بقولهيا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم } الأعراف 35 الآية، واستطرد بين ذلك كلّه بمواعظ تنفع الذين قُصدوا من هذا القَصص، وهم المشركون المكذّبون محمّداً صلى الله عليه وسلم فهم المقصود من هذا الكلام كيفما تفنّنت أساليبه وتناسقَ نظمُه، وأيًّا ما كان فالمقصود الأوّل من هذه الخطابات أو من حكايتها هم مشركُو العرب ومكذّبو محمّد صلى الله عليه وسلم ولذلك تخللتْ هذه الخطاباتِ مُستطرَدَاتٌ وتعريضاتٌ مناسبة لما وضعه المشركون من التّكاذيب في نقض أمر الفطرة. والجُمل الثّلاث من قوله { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً } ــــ وقوله ــــيا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } الأعراف 27 ــــ وقوله ــــيا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } الأعراف 31 متّصلة تمام الاتّصال بقصّة فتنة الشّيطان لآدم وزوجه، أو متّصلة بالقول المحكي بجملةقال فيها تحيون } الأعراف 25 على طريقة تعداد المقول تعداداً يشبه التّكرير.

السابقالتالي
2 3