الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }

عطف على جملةالذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا } الأعراف 201 عطفَ الضد على ضده، فإن الضدية مناسبة يحسن بها عطف حال الضد على ضده، فلما ذكر شان المتقين في دفعهم طائِف الشياطين، ذُكر شان اضدادهم من أهل الشرك والضلال، كما وقعت جملةإن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } البقرة 6 من جملةهدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب } في سورة البقرة 2، 3. وجعلها الزّجاج عطفاً على جملةولا يستطيعون لهم نصراً ولا لأنفسهم ينصرون } الأعراف 192 أي ويمدونهم في الغي، يريد أن شركاءهم لا ينفعونهم بل يضرونهم بزيادة الغي. والإخوان جمع أخ على وزن فعلان مثل جمع خَرَب وــــ وهو ذكر بزيادة الغي. والإخوان جمع أخ على وزن فعلان مثل جمع خَرَب ــــ وهو ذكر الحُبارَى ــــ على خربان. وحقيقة الأخ المشارك في بنوة الأم والأب أو في بنوة أحدهما ويطلق الأخ مجازاً على الصديق الودود ومنه ما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وقول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم لما خطب النبي منه عائشة «إنما أنا أخوك ــــ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ــــ أنت أخي وهي حلال لي» ويطلق الأخ على القرين كقولهم أخو الحرب، وعلى التابع الملازم كقول عبد بني الحسحاس
أخُوكم ومولى خَيْركم وحليفُكم ومن قد ثَوى فيكم وعاشركم دَهْراً   
أراد أنه عبدهم، وعلى النسب والقرب كقولهم أخو العرب وأخو بني فلان. فضمير { وإخوانهم } عائِد إلى غير مذكور في الكلام، إذ لا يصح أن يعود إلى المذكور قبله قريباً لأن الذي ذكر قبله { الذين اتقوا } فلا يصح أن يكون الخبر، وهو { يمدونهم في الغي } متعلقاً بضمير يعود إلى { المتقين } ، فتعين أن يتطلب السامع لضمير { وإخوانهم } معادا غير ما هو مذكور في الكلام بقربه، فيحتمل أن يكون الضمير عائداً على معلوم من السياق وهم الجماعة المتحدث عنهم في هذه الآيات أعني المشركين المعنيين بقولهفتعالى الله عما يشركون أيشركون ما لا يخلق شيئاً } الأعراف 190 ـــ 191 ــــ إلى قوله ــــولا يستطيعون لهم نصراً } الأعراف 192 فيرد السامع الضمير إلى ما دل عليه السياق بقرينة تقدم نظيره في أصل الكلام، ولهذا قال الزجاج هذه الآية متصلة في المعنى بقولهولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون } الأعراف 192، أي وإخوان المشركين، أي أقاربهم ومن هو من قبيلتهم وجماعة دينهم، كقوله تعالىوقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض } آل عمران 156 أي يُمد المشركون بعضهم بعضاً في الغي ويتعاونون عليه فلا مخلص لهم من الغي. ويجوز أن يعود الضميران إلى الشيطان المذكور آنفاً باعتبار إرادة الجنس أو الأتباع، كما تقدم، فالمعنى وإخوان الشياطين أي أتباعهم كقوله

السابقالتالي
2