الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

استئناف ابتدائي يذكر به شيء من ضلالهم ومحاولة تعجيزهم النبي صلى الله عليه وسلم بتعيين وقت الساعة. ومناسبة هذا الاستئناف هي التعرض لتوقع اقتراب أجلهم في قولهوأن عسى أن يكون قد اقترب أجلُهم } الأعراف 185 سواء أفسر الأجل بأجل إذهاب أهل الشرك من العرب في الدنيا، وهو الاستئصال، أم فسر بأجلهم وأجل بقية الناس وهو قيام الساعة، فإن الكلام على الساعة مناسبة لكلا الأجلين. وقد عرف من شنشنة المشركين إنكارهم، البعثَ وتهكمهم بالرسول عليه الصلاة والسلام من أجل إخباره عن البعثوقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مُزقتم كل مُمزقٍ إنكم لفي خلقٍ جديدٍ أفترى على الله كذباً أم به جنةٌ } سبأ 7، 8، وقد جعلوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ووقتها تعجيزاً له، لتوهمهم أنه لما أخبرهم بأمرها فهو يدعي العلم بوقتهاويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يومٍ لا تستأخرون عنه ساعةً ولا تستقدمون } سبأ 29، 30. فالسائلون هم المشركون، وروي ذلك عن قتادة، والضمير يعود إلى الذين كذبوا بآياتنا، وقد حكي عنهم مثل هذا السؤال في مواضع من القرآن، كقوله تعالى في سورة النازعات 42يسألونك عن الساعة أيّانَ مرساها } ــــ وقوله ــــعم يتساءلون عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون } النبأ 1 ـــ 3 يعني البعثَ والساعة، ومن المفسرين من قال المعني بالسائلين اليهود أرادوا امتحان رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن الساعة، وهذا لا يكون سبب نزول الآية، لأن هذه السورة مكية، قيل كلها، وقيل إن آيتين منها نزلتا بالمدينة، ولم يعُدوا هذه الآية، فيما اختُلف في مكان نزوله والسور التي حكي فيها مثل هذا السؤال مكية أيضاً نازلة قبل هذه السورة. والساعة معرّفةً باللام علم بالغلبة في اصطلاح القرآن على وقت فناء هذا العالم الدنيوي والدخول في العالم الأخروي، وتسمى يومَ البعث، ويومَ القيامة. و { أيّان } اسم يدل على السؤال عن الزمان وهو جامد غير متصرف مركب من أي الاستفهامية وآنَ وهو الوقت، ثم خففت أي وقلبت همزة آن ياء ليتأتى الإدغام، فصارت أيّان بمعنى أي زمان، ويتعين الزمان المسؤول عنه بما بعد أيان، ولذلك يتعين أن يكون اسمَ معنى لا اسمَ ذات، إذ لا يخبر بالزمان عن الذات، وأما استعمالها اسم شرط لعموم الأزمنة فذلك بالنقل من الاستفهام إلى الشرط كما نقلت متى من الاستفهام إلى الشرطية، وهي توسيعات في اللغة تَصيرُ معاني متجددة، وقد ذكروا في اشتقاق أيان احتمالات يرجعون بها إلى معاني أفعال، وكلها غير مرضية، وما ارتأيناه هنا أحسن منها. فقوله { أيان } خبر مقدم لصدارة الاستفهام، و { مرساها } مبتدأ مؤخر، وهو في الأصل مضاف إليه آن إذ الأصل أي آن آن مُرسى الساعة.

السابقالتالي
2 3 4