الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

هذا خطاب للمسلمين، فتوسطه في خلال مذام المشركين لمناسبة أن أفظع أحوال المعدودين لجنهم هو حال إشراكهم بالله غيره، لأن في ذلك إبطالاً لأخص الصفات بمعنى الإلهية وهي صفة الوحدانية وما في معناها من الصفات نحو الفرد، الصمد. وينضوي تحت الشرك تعطيل صفات كثيرة مثل الباعث، الحسيب، والمُعيد، ونشأ عن عناد أهل الشرك إنكار صفة الرحمٰن. فعقبت الآيات التي وصفت ضلال إشراكهم بتنبيه المسلمين للاقبال على دعاء الله بأسمائه الدالة على عظيم صفات الإلهية، والدوام على ذلك، وأن يُعرضوا عن شغب المشركين وجدالهم في أسماء الله تعالى. وقد كان من جملة ما يتورك به المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، أن أنكروا اسمه تعالى الرحمٰن، وهو إنكار لم يقدمهم عليه جهلهم بأن الله موصوف بما يدل عليه وصف رحمان من شدة الرحمة، وإنما أقدمهم عليه ما يقدم كل معاند من تطلب التغليظ والتخطئة للمخالف، ولو فيما يعرف أنه حق، وذكر ابن عطية، وغيره. أنه روي في سبب نزول قوله تعالى { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيذكر الله في قراءته، ومرة يقرأ فيذكر الرحمان فقال أبو جهل «محمد يزعم أن الإله واحد وهو إنما يعبد آلهة كثيرة» فنزلت هذه الآية. فعطفُ هذه الآية على التي قبلها عطفُ الإخبار عن أحوال المشركين وضلالهم، والغرض منها قوله { وذروا الذين يلحدون في أسمائه }. وتقديم المجرور المسند على المسند إليه لمجرد الاهتمام المفيد تأكيد استحقاقه إياها، المستفاد من اللام، والمعنى أن اتسامه بها أمر ثابت، وذلك تمهيد لقوله { فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه } ، وقد التزم مثل هذا التقديم في جميع الآي التي في هذا الغرض مثل قوله في سورة الإسراء 110فله الأسماء الحسنى } وسورة طه 8له الأسماء الحسنى } وفي سورة الحشر 24له الأسماء الحسنى } وكل ذلك تأكيد للرد على المشركين أن يكون بعض الأسماء الواردة في القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم أسماء لله تعالى بتخييلهم أن تعدد الاسم تعدد للمسمى تمويهاً على الدهماء. والأسماء هي الألفاظ المجعولة أعلاماً على الذات بالتخصيص أو بالغلبة فاسم الجلالة وهو الله علم على ذات الإله الحق بالتخصيص، شأن الأعلام، والرحمٰن والرحيم اسمان لله بالغلبة، وكذلك كل لفظ مفرد دل على صفة من صفات الله، وأطلق إطلاق الأعلام نحو الرب، والخالق، والعزيز، والحكيم، والغفور، ولا يدخل في هذا ما كان مركّباً إضافياً نحو ذو الجلال، ورب العرش، فإن ذلك بالأوصاف أشبه، وإن كان دالاً على معنى لا يليق إلا بالله نحومَالك يوم الدين } الفاتحة 4. والحسنى مؤنث الأحسن، وهو المتصف بالحسن الكامل في ذاته، المقبول لدى العقول السليمة المجردة عن الهوى، وليس المراد بالحسن الملاءمةَ لجميع الناس، لأن الملاءمة وصف إضافة نسبي، فقد يلائم زيداً ما لا يلائم عمراً، فلذلك فالحسنُ صفة ذاتية للشيء الحسن.

السابقالتالي
2 3 4