الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

عطف على جملةواسألهم } الأعراف 163 بتقدير اذكر، وضمير { عليهم } عائد إلى اليهود المتقدم ذكرهم بالضمير الراجع إليهم بدلالة المقام في قوله تعالىواسألهم } الأعراف 163 كما تقدم بيان ذلك كله مسستوفى عند قولهواسألهم عن القرية } الأعراف 163 فالمتحدث عنهم بهذه الآية لا علاقة لهم بأهل القرية الذين عَدَوْا في السبت. و { تأذَّنَ } على اختلاف إطلاقاته، ومما فيه هنا مشتق من الإذن وهو العلم، يقال أذِنَ أي علم، وأصله العلم بالخبر، لأن مادة هذا الفعل وتصاريفه جائية من الأُذْن، اسم الجارحة التي هي آلة السمع، فهذه التصاريف مشتقة من الجامد نحو استحجر الطين أي صار حجراً، واستنسر البُغاث أي صار نَسراً، فتأذن بزنة تَفعَل الدالة على مطاوعة فَعل، والمطاوعة مستعملة في معنى قوة حصول الفعل، فقيل هو هنا بمعنى أفْعلَ كما يقال تَوعد بمعنى أوْعد فمعنى { تأذن ربك } أعلم وأخبر ليبعثن، فيكون فعل أعلم معلقاً عن العمل بلام القسم، وإلى هذا مَال الطبري، قال ابن عطية وهذا قلق من جهة التصريف إذ نسبة تأذن إلى الفاعل غير نسبة أعلم، ويتبين ذلك من التعدي وغيره، وعن مجاهد { تأذن } تألّىٰ قال في «الكشاف» معناه عزم ربّك، لأن العازم على الأمر يُحدث نفسه به أراد أن إشرابه معنى القسم ناشىء عن مجاز فأطلق التأذن على العزم، لأن العازم على الأمر يحدث به نفسه، فهو يؤذنها بفعله فتعزمُ نفسه، ثم أجرى مجرى فعل القسم مثل عَلم الله، وشهد الله. ولذلك أجيب بما يجاب به القسم. قال ابن عطية «وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا» وعن ابن عباس { تأذن ربك } قال ربك يعني أن الله أعلن ذلك على لسان رسله. وحاصل المعنى أن الله أعلمهم بذلك وتوعدهم به، وهذا كقوله تعالىوإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم } في سورة إبراهيم 7. ومعنى البعث الإرسال وهو هنا مجاز في التقييض والإلهام، وهو يؤذن بأن ذلك في أوقات مختلفة وليس ذلك مستمراً يوماً فيوماً، ولذلك اختبر فعل { ليبعثن } دُون نحو ليلزمنهم، وضمن معنى التسليط فعدي بعلى كقولهبعثنا عليكم عباداً لنا } الإسراء 5 وقولهفأرسلنا عليهم الطوفان } الأعراف 133. و { إلى يوم القيامة } غاية لما في القسم من معنى الاستقبال، وهي غاية مقصود منها جعل أزمنة المستقبل كله ظرفاً للبعث، لإخراج ما بعد الغاية. وهذا الاستغراق لأزمنة البعث أي أن الله يسلط عليهم ذلك في خلال المستقبل كله، والبعث مطلق لا عام. و { يسومهم } يفرض عليهم، وحقيقة السوم أنه تقدير العوض الذي يستْبدل به الشيءُ، واستعمل مجازاً في المعاملة اللازمة بتشبيهها بالسوم المقَدر للشيء، وقد تقدم في سورة البقرة 49وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب }

السابقالتالي
2