الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }

{ ومن قوم موسى } عطف على قولهواتخذ قوم موسى من بعده من حُليهم عِجلاً } الأعراف 148 الآية، فهذا تخصيص لظاهر العموم الذي في قولهواتخذ قوم موسى } الأعراف 148 قصد به الاحتراس لئلا يتوهم أن ذلك قد عمله قوم موسى كلُّهُم، وللتنبيه على دفع هذا التوهم، قُدّم { ومن قوم موسى } على متعلقه. وقوم موسى هم أتباع دينه من قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فمن بقي متمسكاً بدين موسى، بعد بلوغ دعوة الإسلام إليه، فليس من قوم موسى، ولكن يقال هو من بني إسرائيل أو من اليهود، لأن الإضافة في { قوم موسى } تؤذن بأنهم متبعو دينه الذي من جملة أصوله ترقب مجيء الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم و { أمة } جماعة كثيرة متفقة في عمل يجمعها، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالىأمة واحدة } في سورة البقرة 213، والمراد أن منهم في كل زمان قبل الإسلام. و { يَهدون بالحق } أي يهدون الناس من بني إسرائيل أو من غيرهم ببث فضائل الدين الإلهي، وهو الذي سماه الله بالحق ويعدلون أي يحكمون حكماً لا جَور فيه. وتقديم المجرور في قوله { وبه يعدلون } للاهتمام به ولرعاية الفاصلة، إذ لا مقتضي لإرادة القصر، بقرينة قوله { يهدون بالحق } حيث لم يقدم المجرور، والمعنى إنهم يحكمون بالعدل على بصيرة وعِلم، وليس بمجرد مصادفة الحق عن جهل، فإن القاضي الجاهل إذا قضى بغير علم كان أحدَ القاضيين اللذين في النار، ولو صادف الحق، لأنه بجهله قد استخف بحقوق الناس ولا تنفعه مصادفة الحق لأن تلك المصادفة لا عمل له فيها.