الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَـٰتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّـٰىَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِى مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَـٰفِرِينَ وَٱكْتُبْ لَنَا فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلأَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ }. عطفت جملة { واختار موسى } على جملةواتخذ قوم موسى } الأعراف 148 عطَف القصة على القصة لأن هذه القصة أيضاً من مواقع الموعظة والعبرة بين العبَر المأخوذة من قصة موسى مع بني إسرائيل، فإن في هذه عبرة بعظمة الله تعالى ورحمته، ودعاء موسى بما فيه جُماع الخيرات والبشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم وملاك شريعته. والاختيار تمييز المرغوب من بين ما هو مخلوط من مرغوب وضده، وهو زنة افتعال من الخير صيغ الفعل من غير دلالة على مطاوعة لفعل خار. وقوله { سبعين رجلا } بدل من { قَوْمَه } بدلَ بعض من كل، وقيل إنما نُصب قوَمه على حذف حرف الجر، والتقدير اختار من قومه، قالوا وحذْفُ الجار من المتعلق الذي هو في رتبة المفعول الثاني شائِع في ثلاثة أفعال اختار، واستغفر وأمر، ومنه أمْرُتك الخير وعلى هذا يكون قوله { سبعين } مفعولاً أول. وأيّاً مَّا كان فبناء نظم الكلام على ذكر القوم ابتداء دون الاقتصار على سبعين رجلاً اقتضاه حال الإيجاز في الحكاية، وهو من مقاصد القرآن. وهذا الاختيار وقع عندما أمره الله بالمجيىء للمناجاة التي تقدم ذكرها في قوله تعالىوواعدنا موسى ثلاثين ليلة } الأعراف 142 الآية، فقد جاء في التوراة في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر الخروج إن الله أمر موسى أن يصعد طور سينا هو وهارون وناداب وأبيهو ويشوع وسبعون من شيوخ بني إسرائيل ويكون شيوخ بني إسرائيل في مكان معين من الجبل ويتقد موسى حتى يدخل في السحاب ليسمع كلام الله وأن الله لما تجلى للجبل ارتجف الجبل ومكث موسى أربعين يوماً. وجاء في الإصحاح الثاني والثلاثين والذي يعده، بعدَ ذكر عبادتهم العجل وكسر الألواح، أن الله أمر موسى بأن ينحت لوحين من حجر مثل الأولين ليكتب عليهما الكلمات العشر المكتوبة على اللوحين المنكسرين وأن يصعد إلى طور سينا وذكرتْ صفة صعود تقارب الصفة التي في الإصحاح الرابع والعشرين، وأن الله قال لموسى من أخطأ أمحُوه من كتابي، وأن موسى سجد لله تعالى واستغفر لقومه قلة امتثالهم وقال فإن عفرْتَ خطيئتهم وإلا فامحُني من كتابك. وجاء في الإصحاح التاسع من سفر التثنية أن موسى لما صعد الطور في المناجاة الثانية صام أربعين يوماً وأربعين ليلة لا يأكل طعاماً ولا يشرب ماء استغفاراً لخطيئة قومه وطلباً للعفو عنهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد