الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

جملة { وقالوا } معطوفة على جملةولقد أخذنا آل فرعون بالسنين } الأعراف 130 الآية، فهم قابلوا المصائب التي أصابهم الله بها ليذكّروا، بازدياد الغرور فأيسوا من التذكر بها، وعاندوا موسى حين تحداهم بها فقالوا مَهْما تأتنا به من أعمال سحرك العجيبة فما نحن لك بمؤمنين، أي فلا تتعب نفسك في السحر. و { مهما } اسم مضمن معنى الشرط، لأن أصله ما الموصولة أو النكرة الدالة على العموم، فركبّت معها ما لتصييرها شرطية كما ركبت ما مع أي ومتى وأيْنَ فصارت أسماء شرط، وجعلت الألف الأولى هاء اسْتثقالاً لتكرير المتجانسين، ولقرب الهاء من الألف فصارت مهما، ومعناها شيء ما، وهي مبهمة فيؤتى بعدها بمن التبْيينية، أي إن تأتنا بشيء من الآيات فما نحن لك بمؤمنين. و { مهما } في محل رفع بالابتداء، والتقدير أيّما شيء تأتينا به، وخبره الشرط وجوابه، ويجوز كونها في محل نصب لفعل محذوف يدل عليه { تأتنا به } المذكور. والتقدير أي شيء تُحضرنا تأتينا به. وذُكّر ضمير { به } رعياً للفظ { مهما } الذي هو في معنى أي شيء، وأنّث ضمير { بها } رعياً لوقوعه بعد بيان { مهما } باسم مؤنث هو { آية }. و { من آية } بيان لإبهام { مهما }. والآية العلامة الدالة، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالىوالذين كفروا وكذبوا بآياتا أولئك أصحاب النار } في سورة البقرة 39، وفي قوله تعالىوقالوا لولا نزل عليه آية من ربه } في سورة الأنعام 37. وسموا ما جاء به موسى آية باعتبار الغرض الذي تحداهم به موسى حين الإتيان بها، لأن موسى يأتيهم بها استدلالاً على صدق رسالته، وهم لا يعدونها آية ولكنهم جارَوْا موسى في التسمية بقرينة قولهم { لتسحرنا بها } ، وفي ذلك استهزاء كما حكى الله عن مشركي أهل مكة وقالوايا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } الحجر 6 بقرينة قولهم إنك لمجنون. وجملة { فما نحن لك بمؤمنين } مفيدة المبالغة في القطع بانتفاء إيمانهم بموسى لأنهم جاءوا في كلامهم بما حوته الجملة الاسمية التي حَكَتْهُ من الدلالة على ثبوت هذا الانتفاء ودوامه. وبما تفيده الباء من توكيد النفي، وما يفيده تقديم متعلق مؤمنين من اهتمامهم بموسى في تعليق الإيمان به المنفي باسمه. والفاء في قوله { فأرسلنا } لتفريع إصابتهم بهذه المصائب على عتوهم وعنادهم. والإرسال حقيقته توجيه رسول أو رسالة فيعدى إلى المفعول الثاني بإلى ويضمّن معنى الإرسال من فوق، فيعدى إلى المفعول الثاني بعَلى، قال تعالىوأرسل عليهم طيراً أبابيل } الفيل 3،وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } الذاريات 41 فحرف على دل على أن جملة أرسلنا مفرعة تفريع العقاب لا تفريغ زيادة الآيات. والطوفان السَيْح الغالب من الماء الذي يغمر جهات كثيرة ويطغى على المنازل والمزارع، قيل هو مشتق من الطواف لأن الماء يطوف بالمنازل، أي تتكرر جريته حولها، ولم يدخل الطوفان الأرض التي كان بها بنو إسرائيل وهي أرض جاسان.

السابقالتالي
2 3