الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

جملة { قال الملأ } عطف على جملةقال فرعون آمنتم به } الأعراف 123 أو على حملةقال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم } الأعراف 109. وإنما عطفت ولم تفصل لأنها خارجة عن المحاورة التي بين فرعون ومن آمن من قومه بموسى وآياته، لأن أولئك لم يعرجوا على ذكر ملأ فرعون، بل هي محاورة بين ملإ فرعون وبينه في وقت غير وقت المحاورة التي جرت بين فرعون والسحرة، فإنهم لمّا رأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون، ورأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون، ورأوا نهوض حجتهم على فرعون وإفحامَه. وأنه لم يَحرْ جَوَاباً. راموا إيقاظ ذهنه، وإسعارَ حميته، فجاءوا بهذا الكلام المثير لغضب فرعون، ولعلهم رأوا منه تأثراً بمعجزة موسى وموعظة الذين آمنوا من قومه وتوقعوا عدوله عن تحقيق وعيده، فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة { قال موسى لقومه استعينوا بالله }. والاستفهام في قوله { أتذر موسى } مستعمل في الإغراء بإهلاك موسى وقومه والإنكار على الإبطاء بإتلافهم، وموسى مفعول { تذر } أي تتركه متصرفاً ولا تأخذ على يده. والكلام على فعل { تذر } تقدم في قولهوذر الذين اتخذوا دينهم لعباً } في الأنعام 70. وقوم موسى هم من آمن به، وأولئك هم بنوا إسرائيل كلهم ومَن آمن من القبط. واللام في قوله { ليفسدوا } لام التعليل وهو مبالغة في الإنكار إذ جعلوا ترك موسى وقومه معللاً بالفساد، وهذه اللام تسمى لام العاقبة، وليست العاقبة معنى من معاني اللام حقيقة ولكنها مجاز شُبه الحاصل عقب الفعل لا محالة بالغرض الذي يفعل الفعل لتحصيله، واستعير لذلك المعنى حرفُ اللام عوَضاً عن فاء التعقيب كما في قوله تعالىفالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } القصص 8. والإفساد عندهم هو إبطال أصول ديانتهم وما ينشأ عن ذلك من تفريق الجماعة وحث بني إسرائيل على الحرية، ومغادرة أرض الاستعباد. و { الأرض } مملكة فرعون وهي قطر مصر. وقوله { ويذَرَك } عطف على { ليفسدوا } فهو داخلي التعليل المجازي، لأنّ هذا حاصل في بقائهم دون شك، ومعنى تركهم فرعون، تركهم تأليهه وتعظيمه، ومعنى ترك آلهته نبذُهم عبادتَها ونهيُهم الناس عن عبادتها. والآلهة جمع إلٰه، ووزنه أفعلة، وكان القبط مشركين يعبدون آلهة متنوعة من الكواكب والعناصر وصوروا لها صوراً عديدة مختلفة باختلاف العصور والأقطار، أشهرها فتاح وهو أعظمها عندهم وكان يُعبد بمدينة مَنْفيس، ومنها رع وهو الشمس وتتفرع عنه آلهة باعتبار أوقات شعاع الشمس، ومنها ازيريس وإزيس وهوروس وهذا عندهم ثالوث مجموع من أب وأم وابن، ومنها توت وهو القمر وكان عندهم رب الحكمة، ومنها أمُون رع فهذه الأصنام المشهورة عندهم وهي أصل إضلال عقولهم. وكانت لهم أصنام فرعية صغرى عديدة مثل العجل إيبيس ومثل الجعران وهو الجُعل.

السابقالتالي
2 3