الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }

عطفت جملة { وجاء السحرة } على جملةقالوا أرجه وأخاه وأرْسلْ في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم } الأعراف 111، 112 وفي الكلام إيجاز حذف. والتقدير قالوا أرجه وأخاه وأرسل الخ، فأرسل فرعون في المدائن حاشرين فحشروا وجاء السحرة من المدائن فحضروا عند فرعون. فالتعريف في قوله { السحرة } تعريف العهد. أي السحرة المذكورون، وكان حضور السحرة عند فرعون في اليوم الذي عينه موسى للقاء السحرة وهو المذكور في سورة طه. وجملة { قالوا إن لنا لأجراً } استئناف بياني بتقدير سؤال من يسأل ماذا صدر من السحرة حين مثُلوا بين يدي فرعون؟. وقرأ نافع، وابن كثير، وحفص، وأبو جعفر { إن لنا لأجراً } ابتداء بحرف إن دون همزة استفهام، وقرأه الباقون بهمزة استفهام قبل إن. وعلى القراءتين فالمعنى على الاستفهام، كما هو ظاهر الجواب بــــ { نعم } ، وهمزة الاستفهام محذوفة تخفيفاً على القراءة الأولى، ويجوز أن يكون المعنى عليها أيضاً على الخبرية لأنهم وثقوا بحصول الأجر لهم، حتى صيروه في حيز المخبر به عن فرعون، ويكون جواب فرعون بـ { نعم } تقريراً لما أخبروا به عنه. وتنكير { أجراً } تنكير تعظيم بقرينة مقام المَلِك وعظم العمل، وضمير { نحن } تأكيد لضمير { كنا } إشعاراً بجدارتهم بالغلَب، وثقتهم بأنهم أعلم الناس بالسحر، فأكدوا ضميرهم لزيادة تقرير مدلوله، وليس هو بضمير فصل إذ لا يقصد إرادة القصر، لأن إخبارهم عن أنفسهم بالغالبين يغني عن القصر، إذ يتعين أن المغلوب في زعمهم هو موسى عليه السلام. وقول فرعون { نعم } إجابة عما استفهموا، أو تقرير لما توسموا على الاحتمالين المذكورين في قوله { إن لنا لأجراً } آنفاً، فحرف نعم يقرر مضمون الكلام الذي يجاب به، فهو تصديق بعد الخبر، وإعلام بعد الاستفهام، بحصول الجانب المستفهم عنه، والمعنيان محتملان هنا على قراءة نافع ومن وافقه، وأما على قراءة غيرهم فيتعين المعنى الثاني. وعُطف جملة { إنكم لمن المقربين } على ما تضمنه حرف الجواب إذ التقدير نعم لكم أجر وإنكم لمن المقربين، وليس هو من عطف التلقين لأن التلقين إنما يعتبر في كلامين من متكلميْن لا من متكلم واحد. وفصلت جملة { قالوا يا موسى } لوقوعها في طريقة المحاورة بينهم وبين فرعون وموسى، لأن هؤلاء هم أهل الكلام في ذلك المجمع. و { إمّا } حرف يدل على الترديد بين أحد شيئين أو أشياء، ولا عمل له ولا هو معمول، وما بعده يكون معمولاً للعامل الذي في الكلام. ويَكون إما بمنزلة جزء كلمة مثل أل المعرفة، كقول تأبط شراً
هُمَا خُطّتَا إما إسارٍ ومنّةٍ وإمّا دَمٍ والموتُ بالحر أجدر   
وقوله { أنْ تُلْقي } وقوله { أن نكون نحن الملقين } يجوز كونهما في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف، أي إما إلقاؤك مقدم وإما كوننا ملقين مقدم، وقد دل على الخبر المقام لأنهم جاءوا لإلقاء آلات سحرهم، وزعموا أن موسى مثلهم.

السابقالتالي
2 3