الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

عُطف قول موسى بالواو، ولم يفصل عمّا قبله، مع أن جملة هذا القول بمنزلة البيان لجملةبعثنا من بعدهم موسى } الأعراف 103، لأنه لما كان قولهبآياتنا } الأعراف 103 حالاً من موسى فقد فهم أن المقصود تنظير حال الذين أرسل إليهم موسى بحال الأمم التي مضى الإخبار عنها في المكابرة على التكذيب، مع ظهور آيات الصدق، ليتم بذلك تشابه حال الماضين مع حال الحاضرين المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم فجُعلت حكايةُ محاورة موسى مع فرعون وملئه خَبَراً مستقلاً لأنه لم يُحك فيه قوله المقارن لإظهار الآية بل ذكرت الآية من قبلُ، بخلاف ما حكي في القصص التي قبلَها فإن حكاية أقوال الرسل كانت قبل ذكر الآية، ولأن القصة هنا قد حكي جميعها باختصار بجُمَلبَعَثْنَا } الأعراف 103،فظلموا } الأعراف 103،فانظر } الأعراف 103، فصارت جملة { قال } تفصيلاً لبعض ما تقدم، فلا تكون مفصولة لأن الفصل إنما يكون بين جملتين، لا بين جملة وبين عدة جمل أخرى. والظاهر أن خطاب موسى فرعونَ بقوله { يا فرعون } خطاب إكرام لأنه ناداه بالاسم الدال على الملك والسلطان بحسب متعارف أمته فليس هو بترفع عليه لأن الله تعالى قال له ولهارونفقولا له قولاً لينّاً } طه 44، والظاهر أيضاً أن قول موسى هذا هو أول ما خاطب به فرعون كما دلت عليه سورة طه. وصوغ حكاية كلام موسى بصيغة التأكيد بحرف إن لأن المخاطب مظنة الإنكار أو التردد القوي في صحة الخبر. واختيار صفة { رب العالمين } في الإعلام بالمرسِل إبطال لاعتقاد فرعون أنه رب مصر وأهلها فإنه قال لهمأنا ربكم الأعلى } النازعات 24 فلما وصف موسى مُرْسلَه بأنه رب العالمين شمل فرعون وأهل مملكته فتبطل دعوى فرعون أنه إلاه مصر بطريق اللزوم، ودخل في ذلك جميع البلاد والعباد الذين لم يكن فرعون يدعي أنه إلههم مثل الفرس والأشوريين. وقوله { حقيق عَليّ } قرأه نافع بالياء في آخر علي فهي ياء المتكلم دخل عليها حرف على وتعدية حقيق بحرف على معروفة. قال تعالىفحق علينا قول ربنا } الصافات 31، ولأن حقيق بمعنى واجب فتعديته بحرف على واضحة، و { حقيقٌ } خبر ثان عن { إني } ، فليس في ضمير المتكلم من قوله علي على قراءة نافع التفات، بخلاف ما لو جعل قوله { حقيق } صفة لــــ { رسول } فحينئذٍ يكون مقتضى الظاهر الإتيان بضمير الغائب، فيقول حقيق عليه، فيكون العدول إلى التكلم التفاتاً، وفاعل { حقيق } هو المصدر المأخوذ من قوله { أنْ لا أقولَ } أي حقيق علي عدم قولي على الله غيرَ الحق. وحقيق فعيل بمعنى فاعل، وهو مشتق من حَق بمعنى وجب وثبت أي متعين وواجب علي قول الحق على الله، وعلى الأولى للاستعلاء المجازي وعلى الثانية بمعنى عن، وقرأ الجمهور علىَ بألف بعد اللام، وهي على الجارة.

السابقالتالي
2 3 4