الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } * { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

الفاء هنا لتفريع إثبات أن القرآن منزل من عند الله ونفي ما نسبه المشركون إليه، تفريعاً على ما اقتضاه تكذيبهم بالبعث من التعريض بتكذيب القرآن الذي أخبَر بوقوعه، وتكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم القائل إنه موحى به إليه من الله تعالى. وابتدىء الكلام بالقَسَم تحقيقاً لمضمونه على طريقة الأقسام الواردة في القرآن، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالىوالصافات صفاً } الصافات 1. وضمير { أُقسم } عائد إلى الله تعالى. جمع الله في هذا القَسَم كل ما الشأن أن يُقسَم به من الأمور العظيمة من صفات الله تعالى ومن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته إذ يجمع ذلك كله الصِلَتان { بما تبصرون وما لا تبصرون } ، فمما يبصرون الأرض والجبال والبحار والنفوس البشرية والسماوات والكواكب، وما لا يبصرون الأرواح والملائكة وأمور الآخرة. و { لا أقسم } صيغة تحقيقِ قَسَم، وأصلها أنها امتناع من القسَم امتناع تحرّج من أن يحلف بالمُقْسمِ به خشية الحنث، فشاع استعمال ذلك في كل قسم يراد تحقيقه، واعتبر حرف لا كالمزيد كما تقدم عند قولهفلا أقسم بمواقع النجوم } في سورة الواقعة 75، ومن المفسرين من جعل حرف لا في هذا القسم إبطالاً لكلام سابق وأنّ فعل أُقْسِم } بعدها مستأنف، ونُقض هذا النوع بوقوع مثله في أوائل السور مثللا أقسم بيوم القيامة } القيامة 1 ولا أقسم بهذا البلد } البلد 1. وضمير { إنه } عائد إلى القرآن المفهوم من ذكر الحشر والبعث، فإن ذلك مما جاء به القرآن ومجيئه بذلك من أكبر أسباب تكذيبهم به، على أن إرادة القرآن من ضمائر الغيبة التي لا معاد لها قد تكرر غير مرة فيه. وتأكيد الخبر بحرف إنَّ واللامِ للرد على الذين كذبوا أن يكون القرآن من كلام الله ونسبوه إلى غير ذلك. والمراد بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كما يقتضيه عطف قولهولو تَقَول علينا بعض الأقاويل } الحاقة 44، وهذا كما وصف موسى بـ { رسول كريم } في قوله تعالىولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءَهم رسول كريم } الدخان 17 وإضافة { قول } إلى { رسول } لأنه الذي بلّغه فهو قائله، والإِضافة لأدنى ملابسة وإلاّ فالقرآن جَعَله الله تعالى وأجرَاه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم كما صدر من جبريل بإيحائه بواسطته قال تعالىفإنما يسرناه بلسانك } مريم 97. رَوي مقاتل أن سبب نزولها أن أبا جهل قال إن محمداً شاعر، وأن عقبة بن أَبي مُعيط قال هو كاهن، فقال الله تعالى { إنه لقول رسول كريم } الآية. ويجوز أن يراد بـ { رسول كريم } جبريل عليه السلام كما أريد به في سورة التكوير إذ الظاهر أن المراد به هنالك جبريل كما يأتي. وفي لفظ { رسول } إيذان بأن القول قول مُرسله، أي الله تعالى، وقد أكد هذا المعنى بقوله عقبه { تنزيلٌ من ربّ العالمين }.

السابقالتالي
2 3