الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } * { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } * { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ }

أي استفاقوا من غفلتهم ورجعوا على أنفسهم باللائمَة على بطرهم وإهمال شكر النعمة التي سيقت إليهم، وعلموا أنهم أُخذوا بسبب ذلك، قال تعالىوبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } الأعراف 168. ومن حِكم الشيخ ابن عطاء الله الإسكندري «مَن لَم يشكر النعم فقد تَعَرَّض لزوالها، ومن شكرها فقد قيَّدها بعِقالها». وأفادت لَمَّا اقتران جوابها بشرطها بالفور والبداهة. والمقصود من هذا التعريضُ للمشركين بأن يكون حالهم في تدارك أمرهم وسرعة إنابتهم كحال أصحاب هذه الجنة إذ بادروا بالندم وسألوا الله عوض خير. وإسناد هذه المقالة إلى ضميرأصحاب الجنة } القلم 17 يقتضي أنهم قالوه جميعاً، أي اتفقوا على إدراك سبب ما أصابهم. ومعنى { إنا لضالون } أنهم علموا أنهم كانوا في ضلال أي عن طريق الشكر، أي كانوا غير مهتدين وهو كناية عن كون ما أصابهم عقاباً على إهمال الشكر، فالضلال مجاز. وأكَّدوا الكلام لتنزيل أنفسهم منزلة من يشك في أنهم ضالون طريق الخير لقرب عهدهم بالغفلة عن ضلالهم ففيه إيذان بالتحسر والتندم. و { بل نحن محرومون } إضراب للانتقال إلى ما هو أهم بالنظر لحال تبييتهم إذ بيَتوا حرمان المساكين من فضول ثمرتهم فكانوا هم المحرومين من جميع الثمار، فالحرمان الأعظم قد اختص بهم إذ ليس حرمان المساكين بشيء في جانب حرمانهم. والكلام يفيد ذلك إما بطريق تقديم المسند إليه بأن أُتي به ضميراً بارزاً مع أن مقتضى الظاهر أن يكون ضميراً مستتراً في اسم المفعول مقدَّراً مؤخراً عنه لأنه لا يتصور إلاّ بعد سماع متحمِّله. فلما أبرز الضمير وقُدم كان تقديمه مؤذناً بمعنى الاختصاص، أي القصر، وهو قصر إضافي، وهذا من مستتبعات التراكيب والتعويل على القرائن. ويحتمل أن يكون الضلال حقيقياً، أي ضلال طريق الجنة، أي قالوا إنا أخطأنا الطريق في السير إلى جنتنا لأنهم توهموا أنهم شاهدوا جنة أخرى غير جنتهم التي عهدوها، قالوا ذلك تحيراً في أمرهم. ويكون الإِضراب إبطالياً، أي أبطلوا أن يكونوا ضَلّوا طريق جنتهم، وأثبتوا أنهم محرومون من خير جنتهم فيكون المعنى أنها هي جنتهم ولكنها هلكت فحرموا خيراتها بأن أتلفها الله. و { أوسطهم } أفضلهم وأقربهم إلى الخير وهو أحد الإِخوة الثلاثة. والوسط يطلق على الأخْيَر الأفضلِ، قال تعالىوكذلك جعلناكم أمة وسَطاً } البقرة 143، وقالحافظوا على الصلوات والصلاة الوُسطى } البقرة 238 ويقال هو من سِطَة قومه، وأعطني من سِطَة مالِك. وحكي هذا القول بدون عاطف لأنه قول في مَجرى المحاورة جواباً عن قولهم { بل نحن محرومون } قاله لهم على وجه توقيفهم على تصويب رأيه وخَطل رأيهم. والاستفهام تقريري و { لولا } حرف تحضيض. والمراد بـ { تسبحون } تنزيه الله عن أن يُعصى أمره في شأن إعطاء زكاة ثمارهم.

السابقالتالي
2 3