الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ }

هذه مذمة خامسة. { منّاع } شديد المنع. والخير المال، أي شحيح، والخير من أسماء المال قال تعالىوإِنه لحُب الخير لشديد } العاديات 8 وقالإنْ تَرَكَ خَيْراً } البقرة 180، وقد روعي تماثل الصيغة في هذه الصفات الأربع وهي { حَلاّفٍ، هَمّازٍ، مشَّاءٍ، منَّاعٍ } وهو ضرب من محسن الموازنة. والمراد بمنع الخير منعه عمن أسلَمَ من ذويهم وأقاربهم، يقول الواحد منهم لمن أسلم من أهله أو مواليه من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبداً، وهذه شنشنة عُرفوا بها من بعد، قال الله تعالى في شأن المنافقينهم الذين يقولون لا تنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضّوا } المنافقون 7. وأيضاً فمِن منعِ الخير ما كان أهل الجاهلية يعطون العطاء للفخر والسمعة فلا يعطون الضعفاء وإنما يعطون في المجامع والقبائل قال تعالىولا تَحاضّون على طعام المسكين } الفجر 18. قيل كان الوليد بن المغيرة ينفق في الحج في كل حجة عشرين ألفاً يطعم أهلَ مِنى، ولا يعطي المسكين درهماً واحداً. { معتدٍ أثيم } هما مذمتان سادسة وسابعة قرن بينهما لمناسبة الخصوص والعموم. والاعتداء مبالغة في العُدوان فالافتعال فيه للدلالة على الشدة. والأثيم كثير الإِثم، وهو فعيل من أمثلة المبالغة قال تعالىإن شجرة الزقوم طعام الأثيم } الدخان 43ــ 44. والمراد بالإِثم هنا ما يعد خطيئة وفساداً عند أهل العقول والمروءة وفي الأديان المعروفة. قال أبو حيان وجاءت هذه الصفات صفات مبالغة ونوسب فيها فجاءحَلاّف } القلم 10 وبعدهمَهين } القلم 10 لأن النون فيها تواخِ مع الميم، أي ميم { أثيم } ، ثم جاءهمَّاز مشّاء } القلم 11 بصفتي المبالغة، ثم جاء { منّاع للخَير معتد أثيم } صفات مبالغة ا هـ. يريد أن الافتعال في { معتدٍ } للمبالغة.