الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }

{ وَٱللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـٰثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللَّـٰتِي لَمْ يَحِضْنَ }. عطف على قولهفطلقوهن لعدتهن } الطلاق 1 فإن العدة هنالك أريد بها الأقراء فأشعر ذلك أن تلك المعتدة ممن لها أقراء، فبقي بيان اعتداد المرأة التي تجاوزت سن المحيض أو التي لم تبلغ سن من تحيض وهي الصغيرة. وكلتاهما يصدق عليها أنها آيسة من المحيض، أي في ذلك الوقت. والوقف على قوله { واللائي لم يحضن } ، أي هن معطوفات على الآيسين. واليأس عدم الأمل. والمأيوس منه في الآية يعلم من السياق من قولهفطلقوهن لعدتهن } الطلاق 1، أي يئسن من المحيض سواء كان اليأس منه بعد تعدده أو كان بعدم ظهوره، أي لم يكن انقطاعه لمرض أو إرضاع. وهذا السنّ يختلف تحديده باختلاف الذوات والأقطار كما يختلف سن ابتداء الحيض كذلك. وقد اختُلف في تحديد هذا السنّ بعدد السنين فقيل ستون سنة، وقيل خمس وخمسون، وترك الضبط بالسنين أولى وإنما هذا تقريب لإبّان اليأس. والمقصود من الآية بيِّن وهي مخصصة لعموم قولهوالمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } من سورة البقرة 228. وقد نزلت سورة الطلاق بعد سورة البقرة. وقد خفي مفاد الشرط من قوله { إن ارتبتم } وما هو متصل به. وجمهور أهل التفسير جعلوا هذا الشرط متصلاً بالكلام الذي وقع هو في أثنائه، وإنه ليس متصلاً بقولهلا تُخرجوهن من بيوتهن } الطلاق 1 في أول هذه السورة خلافاً لشذوذ تأويل بعيد وتشتيت لشمل الكلام، ثم خفيَ المراد من هذا الشرط بقوله { إن ارتبتم }. وللعلماء فيه طريقتان الطريقة الأولى مشَى أصحابها إلى أن مرجع اليأس غير مرجع الارتياب باختلاف المتعلق، فروى أشهب عن مالك أن الله تعالى لما بين عدة ذوات القُروء وذوات الحمل، أي في سورة البقرة، وبقيت اليائسة والتي لم تحض ارتاب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أمرهما فنزلت هذه الآية، ومثله مروي عن مجاهد، وروى الطبري خبراً عن أبيّ بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اعتداد هاتين اللتين لم تذكرا في سورة البقرة، فنزلت هذه الآية. فجعلوا حرف { إنْ } بمعنى إذْ وأن الارتياب وقع في حكم العدة قبل نزول الآية، أي إذ ارتبتم في حكم ذلك فبيّنّاه بهذه الآية قال ابن العربي حديث أُبّي غير صحيح. وأنا أقول رواه البيهقي في «سننه» والحاكم في «المستدرك» وصَحّحه. والطبراني بسنده عن عَمرو ابن سالم أن أبَيَّا قال وليس في رواية الطبري ما يدل على إسناد الحديث. وهو في رواية البيهقي بسنده إلى أبي عثمان عُمر بن سالم الأنصاري عن أُبي بن كعب وهو منقطع، لأن أبا عثمان لم يلق أُبي بن كعب وأحسب أنه في «مستدرك الحاكم» كذلك لأن البيهقي رواه عن الحاكم فلا وجه لقول ابن العربي هو غير صحيح.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7