موقع هذه الآية هنا خفي المناسبة. فيجوز أن تكون الجملة معترضة استئنافاً ابتدائياً انتقل به من النهي عن عدم الوفاء بما وعدوا الله عليه إلى التعريض بقوم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم بالقول أو بالعصيان أو نحو ذلك، فيكون الكلام موجهاً إلى المنافقين، فقد وسموا بأذى الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى{ إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة } الأحزاب 57 الآية. وقوله تعالى{ والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم } التوبة 61 وقوله{ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن } التوبة 61. وعلى هذا الوجه فهو اقتضاب نقل به الكلام من الغرض الذي قبله لتمامه إلى هذا الغرض، أو تكون مناسبة وقعه في هذا الموقع حدوث سبب اقتضى نزوله من أذى قد حدث لم يطلع عليه المفسرون ورواة الأخبار وأسباب النزول. والواو على هذا الوجه عطف غرض على غرض. وهو المسمّى بعطف قصة على قصة. ويجوز أن يكون من تتمة الكلام الذي قبلها ضرب الله مثلاً للمسلمين لتحذيرهم من إتيان ما يؤذي رسوله صلى الله عليه وسلم ويسوؤوه من الخروج عن جادة الكمال الديني مثل عدم الوفاء بوعدهم في الإِتيان بأحبّ الأعمال إلى الله تعالى. وأشفقهم من أن يكون ذلك سبباً للزيغ والضلال كما حدث لقوم موسى لمَّا آذوه. وعلى هذا الوجه فالمراد بأذى قوم موسى إياه عدم توخي طاعته ورضاه، فيكون ذلك مشيراً إلى ما حكاه الله عنه من قوله{ يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين } المائدة 21، إلى قوله{ قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هٰهنا قاعدون } المائدة 24. فإن قولهم ذلك استخفاف يدل لذلك قوله عَقِبَه{ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } المائدة 25. وقد يكون وصفهم في هذه الآية بقوله { والله لا يهدي القوم الفاسقين } ناظراً إلى وصفهم بذلك مرتين في آية سورة العقود في قوله{ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } المائدة 25 وقوله{ فلا تأس على القوم الفاسقين } المائدة 26. فيكون المقصود الأهم من القصة هو ما تفرع على ذكرها من قوله { فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم }. ويناسب أن تكون هذه الآية تحذيراً من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعبرة بما عرض لهم من الهزيمة يوم أُحُد لما خالفوا أمره من عدم ثبات الرماة في مكانهم. وقد تشابهت القصتان في أن القوم فرّوا يوم أُحُد كما فرّ قوم موسى يوم أريحا، وفي أن الرماة الذين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يبرحوا مكانهم «ولو تخطَّفَنا الطير» وأن ينضحوا عن الجيش بالنبال خشية أن يأتيه العدوّ من خلفه لم يفعلوا ما أمرهم به وعصوا أمر أميرهم عبد الله بن جبير وفارقوا موقفهم طلباً للغنيمة فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين يوم أُحُد.