الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِٱللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَٰنٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُنَّ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

هذه تكملة لامتحان النساء المتقدم ذكره في قوله تعالىيا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } الآية الممتحنة 10. وبيان لتفصيل آثاره. فكأنه يقول فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهنّ إلى الكفار وبَينُوا لهن شرائع الإِسلام. وآية الامتحان عقب صلح الحديبية في شأن من هاجرن من مكة إلى المدينة بعد الصلح وهن أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وسبيعة الأسلمية، وأميمة بنت بشر، وزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا صحة للأخبار التي تقول إن الآية نزلت في فتح مكة ومنشؤها التخليط في الحوادث واشتباه المكرر بالآنف. روى البخاري ومسلم عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } إلى قوله { غفور رحيم } فمن أقرّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله قد بايعتُكِ " والمقتضى لهذه البيعة بعد الإِمتحان أنهن دخلن في الإِسلام بعد أن استقرت أحكام الدين في مدة سنين لم يشهدن فيها ما شهده الرجال من اتساع التشريع آنا فآنا، ولهذا ابتدئت هذه البيعة بالنساء المهاجرات كما يؤذن به قوله { إذا جاءك المؤمنات } ، أي قدمن عليك من مكة فهي على وزان قولهيا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات } الممتحنة 10. قال ابن عطية كانت هذه البيعة ثاني يوم الفتح على جبل الصفا. وأجرى النبي صلى الله عليه وسلم هذه البيعة على نساء الأنصار أيضاً. روى البخاري " عن أم عطية قالت بايَعَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا { أن لا يشركن بالله شيئاً } " الحديث. وفيه " عن ابن عباس قال شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخطبة فنزل نبي الله فكأني أنظر إليه حين يجلِّس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن } حتى فرغ من الآية كلها. ثم قال حين فرغ أنتُنّ على ذلك فقالت امرأة منهنّ واحدة لم يجبه غيرها نعم يا رسول الله. قال «فتصدقن» " وأجرى هذه المبايعة على الرجال أيضاً. ففي «صحيح البخاري» " عن عبادة بن الصامت قال «كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا، وقرأ آية النساء أي النازلة بخطاب النساء في سورة الممتحنة فمن وفَى منكم فأجره على الله. ومن أصاب من ذلك شَيئاً فعوقب به فهو كفارة له. ومن أصاب منها شيئاً فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» "

السابقالتالي
2 3 4