عطف على قوله { ولو نزّلنا عليك كتاباً } ، لأنّ هذا خبر عن تورّكهم وعنادهم، وما قبله بيان لعدم جدوى محاولة ما يقلع عنادهم، فذلك فُرض بإنزال كتاب عليهم، من السماء فيه تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حكاية لاقتراح منهم آية يصدّقونه بها. وفي سيرة ابن إسحاق أنّ هذا القول واقع، وأنّ من جملة من قال هذا زمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث بن كَلدة، وعبدة بن عبد يغوث وأبَي ابن خلف، والعاصي بن وائل، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومن معهم، أرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سل ربّك أن يبعث معك ملكاً يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك. فقوله { وقالوا لولا أنزل عليه ملك } أي لولا أنزل عليه ملك نشاهده ويخبرنا بصدقه، لأنّ ذلك هو الذي يتطلّبه المعاند. أمّا نزول الملك الذي لا يرونه فهو أمر واقع، وفسّره قوله تعالى في الآية الأخرى{ لولا أنزل إليه ملك فيكونَ معه نذيراً } في سورة الفرقان 7. والضمير عائد إلى { الذين كفروا } وإن كان قاله بعضهم، لأنّ الجميع قائلون بقوله وموافقون عليه. و { لولا } للتحضيض بمعنى هلاً. والتحضيض مستعمل في التعجيز على حسب اعتقادهم. وضمير { عليه } للنبيء صلى الله عليه وسلم ومعاد الضمير معلوم من المقام، لأنّه إذا جاء في الكلام ضمير غائب لم يتقدّم له معاد وكان بين ظهرانيهم من هو صاحب خبر أو قصة يتحدّث الناس بها تعيّن أنَّه المراد من الضمير. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب حين استأذنه في قتل ابن صيّاد " إن يكْنه فلن تسلّط عليه وإلاّ يكْنه فلا خير لك في قتلة " يريد من مائر الغيبة الثلاثة الأولى الدجّال لأنّ الناس كانوا يتحدّثون أنّ ابن صيّاد هو الدجّال. ومثل الضمير اسم الإشارة إذا لم يذكر في الكلام اسم يشار إليه. كما ورد في حديث أبي ذرّ أنّه قال لأخيه عند بعثة محمد صلى الله عليه وسلم " اذهب فاستعلم لنا علم هذا الرجل " وفي حديث سؤال القبر " فيقال له أي للمقبور ما علمك بهذا الرجل " يعني أنّ هذا قولهم فيما بينهم، أو قولهم للذي أرسلوه إلى النبي أن يسأل الله أن يبعث معه ملكاً. وقد افهوه به مرة أخرى فيما حكاه الله عنهم { وقالوا يا أيّها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين } فإنّ لَوْما أخت لولا في إفادة التحضيض. وقوله { ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون } معناه لو أنزلنا ملكاً على الصفة التي اقترحوها يكلّمهم لقضي الأمر، أي أمرهم فاللام عوض عن المضاف إليه بقرينة السياق، أي لقضي أمر عذابهم الذي يتهدَّدهم به.