الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

جملة { ووهبنا } عطف على جملةآتيناها } الأنعام 83 لأنّ مضمونها تكرمة وتفضيل. وموقع هذه الجملة وإن كانت معطوفة هو موقع التذييل للجمل المقصود منها إبطال الشرك وإقامةُ الحجج على فساده وعلى أنّ الصالحين كلّهم كانوا على خلافه. والوَهْب والهِبة إعطاء شيء بلا عوض، وهو هنا مجاز في التّفضّل والتّيسير. ومعنى هبة يعقوب لإبراهيم أنّه وُلد لابنه إسحاق في حياة إبراهيم وكبر وتزوّج في حياته فكان قرّة عين لإبراهيم. وقد مضت ترجمة إبراهيم ـــ عليه السلام ـــ عند قوله تعالىوإذْ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات } البقرة 124. وترجمةُ إسحاق، ويعقوب، عند قوله تعالىووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب } البقرة 132 وقولهوإله آبائك إبراهيمَ وإسماعيل وإسحاق } البقرة 133 كلّ ذلك في سورة البقرة. وقوله { كلاّ هدينا } اعتراض، أي كلّ هؤلاء هديناهم يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فحذف المضاف إليه لظهوره وعوض عنه التّنوين في «كلّ» تنوينَ عوض عن المضاف إليه كما هو المختار. وفائدة ذكر هديهما التّنويه بإسحاق ويعقوب، وأنّهما نبيئان نالا هدى الله كهَدْيه إبراهيم، وفيه أيضاً إبطال للشرك، ودمغ، لقريش ومشركي العرب، وتسفيه لهم بإثبات أنّ الصالحين المشهورين كانوا على ضدّ معتقدهم كما سيصرّح به في قولهذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } الأعراف 88. وجملة { ونوحاً هدينا من قبل } عطف على الاعتراض، أي وهدينا نوحاً من قبلهم. وهذا استطراد بذكر بعض من أنعم الله عليهم بالهدى، وإشارة إلى أنّ الهدى هو الأصل، ومن أعظم الهدى التّوحيد كما علمت. وانتصب { نوحاً } على أنّه مفعول مقدّم على { هدينا } للاهتمام، و { من قبل } حال من { نوحا }. وفائدة ذكر هذا الحال التّنبيه على أنّ الهداية متأصّلة في أصول إبراهيم وإسحاق ويعقوب. وبُني { قبل } على الضمّ، على ما هو المعروف في قبلُ وأخواتتِ غيرٍ من حذف ما يضاف إليه قبلُ وينوى معناه دون لفظه. وتقدمت ترجمة نوح عند قوله تعالىإنّ الله اصطفى آدم ونوحاً } في سورة آل عمران 33. وقوله { من ذرّيته } حال من داوود، و { داود } مفعول هدينا محذوفاً. وفائدة هذا الحال التّنويه بهؤلاء المعدودين بشرف أصلهم وبأصل فضلهم، والتّنويه بإبراهيم أو بنوح بفضائل ذرّيّته. والضمير المضاف إليه عائد إلى نوح لا إلى إبراهيم لأنّ نوحاً أقرب مذكور، ولأنّ لوطاً من ذرّية نوح، وليس من ذرية إبراهيم حسبما جاء في كتاب التّوراة. ويجوز أن يكون لوط عومل معاملة ذرّيّة إبراهيم لشدّة اتّصاله به. كما يجوز أن يجعل ذكر اسمه بعد انتهاء أسماء من هم من ذرّيّة إبراهيم منصوباً على المدح بتقدير فعللٍ لا على العَطف. وداود تقدّم شيء من ترجمته عند قوله تعالىوقَتل داودُ جالوتَ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9