الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

عطف على الجمل السابقة التي أولاهاوكذّب به قومك وهو الحقّ } الأنعام 66 المشتملة على الحجج والمجادلة في شأن إثبات التوحيد وإبطال الشرك، فعُقّبت تلك الحجج بشاهد من أحوال الأنبياء بذكر مجادلة أول رسول أعلَن التوحيد وناظر في إبطال الشرك بالحجّة الدامغة والمناظرة الساطعة، ولأنَّها أعدل حجَّة في تاريخ الدين إذ كانت مجادلة رسول لأبيه ولقومه، وكانت أكبر حجّة على المشركين من العرب بأنّ أباهم لم يكن مشركاً ولا مُقِرّاً للشرك في قومه، وأعظم حجَّة للرسول صلى الله عليه وسلم إذ جاءهم بالإقلاع عن الشرك. والكلام في افتتاح القصّة بــ { إذْ } بتقدير اذْكُر تقدّم عند قوله تعالىوإذ قال ربّك للملائكة إنٌّي جاعل في الأرض خليفة } في سورة البقرة 30. و { آزر } ظاهر الآية أنَّه أبو إبراهيم. ولا شكّ أنّه عُرف عند العرب أنّ أبا إبراهيم اسمُه آزر فإنّ العرب كانوا معتنين بذكر إبراهيم ـــ عليه السلام ـــ ونسبِه وأبنائه. وليس من عادة القرآن التعرّض لذكر أسماء غير الأنبياء فما ذكر اسمه في هذه الآية إلاّ لقصد سنذكره. ولم يُذكر هذا الاسم في غير هذه الآية. والذي في كتب الإسرائيليّين أنّ اسم أبي إبراهيم تارح ـــ بمثناة فوقية فألف فراء مفتوحة فحاء مهملة ـــ. قال الزجاج لا خلاف بين النسّابين في أنّ اسم أبي إبراهيم تارح. وتبعه محمد بن الحسن الجويني الشافعي في «تفسير النكت». وفي كلامهما نظر لأنّ الاختلاف المنفي إنَّما هو في أنّ آزر اسم لأبي إبراهيم ولا يقتضي ذلك أنه ليس له اسم آخر بين قومه أو غيرهم أو في لغة أخرى غير لغة قومه. ومثل ذلك كثير. وقد قيل إنّ آزر وصف. قال الفخر قيل معناه الهرم بلغة خوارزم، وهي الفارسية الأصلية. وقال ابن عطية عن الضحّاك آزر الشيخ. وعن الضحَّاك أنّ اسم أبي إبراهيم بلغة الفرس آزر. وقال ابن إسحاق ومقاتل والكلبي والضحَّاك اسم أبي إبراهيم تارح وآزر لقب له مثل يعقوب الملقب إسرائيل، وقال مجاهد آزر اسم الصنم الذي كان يعبده أبو إبراهيم فلقّب به. وأظهر منه أن يقال أنَّه الصنم الذي كان أبو إبراهيم سادن بيته. وعن سليمان التيْمي والفرّاء آزر كلمةُ سبّ في لغتهم بمعنى المعْوَجّ، أي عن طريق الخير. وهذا وهم لأنَّه يقتضي وقوع لفظ غير عربي ليس بعلم ولا بمعرّب في القرآن. فإنّ المعرّب شرطه أن يكون لفظاً غير علم نقله العرب إلى لغتهم. وفي «تفسير الفخر» أنّ من الوجوه أن يكون آزر عمّ إبراهيم وأطلق عليه اسم الأب لأنّ العمّ قد يقال له أب. ونسب هذا إلى محمد بن كعب القرظي. وهذا بعيد لا ينبغي المصير إليه فقد تكرّر في القرآن ذكر هذه المجادلة مع أبيه، فيبعد أن يكون المراد أنَّه عمّه في تلك الآيات كلِّها.

السابقالتالي
2 3 4