عطف على جملة{ وإن كان كبر عليك إعراضهم } الأنعام 35 الآيات، وهذا عود إلى ما جاء في أول السورة 4 من ذكر إعراضهم عن آيات الله بقوله{ وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين } ثم ذكر ما تفنّنوا به من المعاذير من قولهم{ لولا أنزل عليه ملك } الأنعام 8 وقوله{ وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها } الأنعام 25 أي وقالوا لولا أنزل عليه آية، أي على وفق مقترحهم، وقد اقترحوا آيات مختلفة في مجادلات عديدة. ولذلك أجملها الله تعالى هنا اعتماداً على علمها عند الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، فقال { وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه }. فجملة { وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربِّه } وقع عطفها معترضاً بين جملة{ والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون } الأنعام 36 وجملة{ وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } الأنعام 38 الخ. وفي الإتيان بفعل النزول ما يدلّ على أنّ الآية المسؤولة من قبيل ما يأتي من السماء، مثل قولهم{ لولا أنزل عليه ملك } الأنعام 8 وقولهم{ ولن نُؤمن لِرُقيّك حتى تنزّل علينا كتاباً نقرؤه } الإسراء 93 وشبه ذلك. وجرّد { نزّل } من علامة التأنيث لأنّ المؤنّث الذي تأنيثه لفظي بحت يجوز تجريد فعله من علامة التأنيث فإذا وقع بين الفعل ومرفوعه فاصل اجتمع مسوّغان لتجريد الفعل من علامة التأنيث، فإنّ الفصل بوحده مسوّغ لتجريد الفعل من العلامة. وقد صرّح في «الكشاف» بأنّ تجريد الفعل عن علامة التأنيث حينئذٍ حسن. و { لولا } حرف تحضيض بمعنى هلاّ. والتحضيض هنا لقطع الخصم وتعجيزه، كما تقدّم في قوله تعالى آنفاً{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك } الأنعام 8. وتقدّم الكلام على اشتقاق { آية } عند قوله تعالى{ والذين كفروا وكذّبوا بآياتنا } في سورة البقرة 39. وفصل فعل { قل } فلم يعطف لأنَّه وقع موقع المحاورة فجاء على طريقة الفصل التي بيّنّاها في مواضع كثيرة، أولها قوله تعالى{ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } في سورة البقرة 30. وأمَر الله رسوله أن يجيبهم بما يُعلم منه أنّ الله لو شاء لأنزل آية على وفق مقترحهم تقوم عليهم بها الحجّة في تصديق الرسول، ولكنّ الله لم يرد ذلك لحكمة يعلمها فعبّر عن هذا المعنى بقوله { إنّ الله قادر على أنّ ينزّل آية } وهم لا ينكرون أنّ الله قادر، ولذلك سألوا الآية، ولكنّهم يزعمون أنّ الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ لا يَثبُت صدقه إلاّ إذا أيّده الله بآية على وفق مقترحهم. فقوله { إنّ الله قادر على أن ينزّل آية } مستعمل في معناه الكنائي، وهو انتفاء أن يريد الله تعالى إجابة مقترحهم، لأنَّه لمّا أرسل رسوله بآيات بيّنات حصل المقصود من إقامة الحجّة على الذين كفروا، فلو شاء لزادهم من الآيات لأنّه قادر.