استئناف بياني نشأ في قوله{ فمن أظلم ممن كذب بآيات الله } الأنعام 157 الآية، وهو يحتمل الوعيد ويحتمل التهكّم، كما سيأتي. فإن كان هذا وعيداً وتهديداً فهو ناشىء عن جملة{ سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا } الأنعام 157 لإثارته سؤال سائل يقول متى يكون جزاؤهم، وإن كان تهكّما بهم على صدفهم عن الآيات التي جاءتهم، وتطلّعهم إلى آيات أعظم منها في اعتقادهم، فهو ناشىء عن جملة{ فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها } الأنعام 157 لأنَّه يثير سؤال سائل يقول ماذا كانوا يترقَّبون من الآيات فوق الآيات التي جاءتهم. و { هل } للاستفهام الإنكاري، وهي ترد له كما ترد له الهمزة على التّحقيق، ولذلك جاء بعده الاستثناء. و { ينظرون } مضارع نَظَر بمعنى انتظر، وهو مشترك مع نظر بمعنى رأى في الماضي والمضارع والمصدر، ويخالفه في التّعدية، ففِعل نَظَر العين متعدّ بإلى، وفعل الانتظار متعدّ بنفسه، ويخالفه أيضاً في أنّ له اسم مصدر وهو النظِرة ــــ بكسر الظاء ــــ ولا يقال ذلك في النّظر بالعين. والضّمير عائد للّذين يصدفون عن الآيات. ثمّ إنْ كان الانتظار واقعاً منهم على أنَّه انتظار آيات، كما يقترحون، فمعنى الحصر أنَّهم ما ينتظرون بعد الآيات التي جاءتهم ولم يقتنعوا بها إلاّ الآيات التي اقترحوها وسألوها وشرطوا أن لا يؤمنوا حتّى يُجاءوا بها، وهي ما حكاه الله عنهم بقوله{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } الإسراء 90 إلى قوله{ أو تأتي بالله والملائكة قبيلا } الإسراء 92 ــــ وقوله ــــ{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك } الأنعام 8 فهم ينتظرون بعض ذلك بجِدّ من عامتَّهم، فالانتظار حقيقة، وبسخرية من قادتهم ومضلّليهم، فالانتظار مجاز بالصّورة، لأنَّهم أظهروا أنفسهم في مظهر المنتظرين، كقوله تعالى{ يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا } التوبة 64 الآية. والمراد ببعض آيات ربّك ما يشمل ما حكي عنهم بقوله{ حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } الإسراء 90 إلى قوله{ حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه } الإسراء 93. وفي قوله{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك } الأنعام 8 إلى قوله{ فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون } الأنعام 10 فالكلام تهكّم بهم وبعقائدهم. وإن كان الانتظار غير واقع بجدّ ولا بسخرية فمعناه أنَّهم ما يترقَّبون شيئاً من الآيات يأتيهم أعظم ممَّا أتاهم، فلا انتظار لهم، ولكنّهم صمّموا على الكفر واستبطنوا العناد، فإن فرض لهم انتظار فإنَّما هو انتظار ما سيَحل بهم من عذاب الآخرة أو عذاب الدّنيا أو ما هو برزخ بينهما، فيكون الاستنثاء تأكيداً للشّيء بما يشبه ضدّه. والمراد أنَّهم لا ينتظرون شيئاً ولكن سيجيئهم ما لا ينتظرونه، وهو إتيان الملائكة، إلى آخره، فالكلام وعيد وتهديد. والقصر على الاحتمالين إضافي، أي بالنّسبة لما ينتظر من الآيات، والاستفهام الخبري مستعمل في التهكّم بهم على الاحتمالين، لأنَّهم لا ينتظرون آية، فإنَّهم جازمون بتكذيب الرّسول صلى الله عليه وسلم ولكنّهم يسألون الآيات إفحاماً في ظنّهم.