الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

جملة { وهذا كتاب أنزلته مبارك } عطف على جملةثمّ آتينا موسى الكتاب } الأنعام 154. والمعنى آتينا موسى الكتاب وأنزلنا هذا الكتاب كما تقدّم عند قوله تعالىثم آتينا موسى الكتاب } الأنعام 154 الخ... وافتتاح الجملة باسم الإشارة، وبناءُ الفعل عليه، وجعل الكتاب الذي حقّه أن يكون مفعولَ { أنزلناه } مبتدأ، كلّ ذلك للاهتمام بالكتاب والتّنويه به، وقد تقدّم نظيرهوهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه } في هذه السّورة 92. وتفريع الأمر باتباعه على كونه منزلاً من الله، وكونه مباركاً، ظاهر لأنّ ما كان كذلك لا يتردّدُ أحد في اتّباعه. والاتِّباع أطلق على العمل بما فيه على سبيل المجاز. وقد مضى الكلام فيه عند قوله تعالىإن أتبع إلا ما يوحى إليّ } الأنعام 50، وقولهاتبع ما أوحي إليك من ربك } في هذه السّورة 106. والخطاب في قوله { فاتبعوه } للمشركين، بقرينة قوله { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا }. وجملة { أنزلناه } في محلّ الصّفة لــــ { كتاب } ، ومبارك صفة ثانية، وهما المقصد من الإخبار، لأنّ كونه كتاباً لا مِرْيَة فيه، وإنَّما امْتروا في كونه منزّلاً من عند الله، وفي كونه مباركاً. وحسن عطف { مبارك } على { أنزلناه } لأنّ اسم المفعول ــــ لاشتقاقه ــــ هو في قوّة الفعل. ومعنى { اتَّقُوا } كونوا متَّصفين بالتَّقوى وهي الأخذ بدين الحقّ والعملُ به. وفي قوله { لعلكم ترحمون } وعد على اتّباعه وتعريض بالوعيد بعذاب الدّنيا والآخرة إن لم يتَّبعوه. وقوله { أن تقولوا } في موضع التّعليل لفعل { أنزلناه } على تقدير لام التّعليل محذوفة على ما هو معروف من حذفها مع أنْ. والتّقدير لأن تقولوا، أي لقولكم ذلك في المستقبل، أي لملاحظة قولكم وتَوقُّع وقوعه، فالقول باعث على إنزال الكتاب. والمقام يدلّ على أنّ هذا القول كانَ باعثاً على إنزال هذا الكتاب، والعلّة الباعثة على شيء لا يلزم أن تكون علّة غائية، فهذا المعنى في اللاّم عكس معنى لام العاقبة، ويؤول المعنى إلى أنّ إنزال الكتاب فيه حِكَم منها حكمة قطع معذرتهم بأنَّهم لم ينزّل إليهم كتاب، أو كراهية أن يقولوا ذلك، أو لتجنّب أن يقولوه، وذلك بمعونة المقام إيثاراً للإيجاز فلذلك يقدّر مضافٌ مثل كراهيةَ أو تجنّبَ. وعلى هذا التّقدير جرى نحاة البصرة. وذهب نحاة الكوفة إلى أنَّه على تقدير لاَ النّافية، فالتّقدير عندهم أنْ لا تقولوا، والمآل واحد ونظائر هذا في القرآن كثيرة كقولهيبين الله لكم أن تضلوا } النساء 176 ــــ وقوله ــــواتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله } الزمر 55، 56 ــــ وقوله ــــوألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم }

السابقالتالي
2 3