الواو عاطفة على جملة{ ألاَّ تشركوا به شيئاً } الأنعام 151 لتماثل المعطوفات في أغراض الخطاب وترتيبه، وفي تخلّل التّذييلات التي عَقِبت تلك الأغراض بقوله{ لعلّكم تعقلون } الأنعام 151 ــــ{ لعلّكم تذّكرون } الأنعام 152 ــــ { لعلّكم تتّقون } وهذا كلام جامع لاتباع ما يجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي في القرآن. وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وأبو جعفر { أنّ } ــــ بفتح الهمزة وتشديد النّون ــــ. وعن الفراء والكسائي أنَّه معطوف على{ ما حَرّم ربُّكم } الأنعام 151، فهو في موضع نصب بفعل { أتْلُ } والتّقدير وأتْلُ عليكم أنّ هذا صراطي مستقيماً. وعن أبي عليّ الفارسي أنّ قيَاس قول سيبويه أنْ تحمل أنّ، أي تُعلَّق على قوله { فاتبعوه } ، والتّقدير ولأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه، على قياس قول سيبويه في قوله تعالى{ لإيلاف قريش } قريش 1. وقال في قوله تعالى{ وأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً } الجن 18 المعنى ولأنّ المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً اهــــ. فــــ { أنّ } مدخولة للام التّعليل محذوفة على ما هو المعروف من حذفها مع أنّ وأنْ. وتقدير النّظم واتَّبعوا صراطي لأنَّه صراط مستقيم، فوقع تحويل في النّظم بتقدير التّعليل على الفعل الذي حقّه أن يكون معطوفاً، فصار التّعليل معطوفاً لتقديمه ليفيد تقديمه تفرّع المعلّل وتسبّبه، فيكون التّعليل بمنزلة الشّرط بسبب هذا التّقديم، كأنَّه قيل لمّا كان هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف { وإنّ } ــــ بكسر الهمزة وتشديد النّون ــــ فلا تحويل في نظم الكلام، ويكون قوله { فاتبعوه } تفريعاً على إثبات الخبر بأنّ صراطه مسقيم. وقرأ ابن عامر، ويعقوب «وأنْ» ــــ بفتح الهمزة وسكون النّون ــــ على أنَّها مخفّفة من الثّقيلة واسمها ضمير شأن مُقدر والجملة بعده خبره، والأحسن تخريجها بكون { أنْ } تفسيرية معطوفة على{ ألاَّ تشركوا } الأنعام 151. ووجه إعادة { أنْ } اختلاف أسلوب الكلام عمّا قبله. والإشارة إلى الإسلام أي وأنّ الإسلام صراطي فالإشارة إلى حاضر في أذهان المخاطبين من أثر تكرّر نزول القرآن وسماع أقوال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، بحيث عرفه النّاس وتبيّنوه، فنزلّ منزلة المشاهد، فاستعمل فيه اسم الإشارة الموضوع لتعيين ذات بطريق المشاهدة مع الإشارة، ويجوز أن تكون الإشارة إلى جميع التّشريعات والمَواعظ التي تقدّمت في هذه السّورة، لأنَّها صارت كالشّيء الحاضر المشاهد، كقوله تعالى{ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك } آل عمران 44. والصّراط الطّريق الجادة الواسعة، وقد مَرّ في قوله تعالى{ اهدنا الصّراط المستقيم } الفاتحة 6 والمراد الإسلام كما دلّ عليه قوله في آخر السّورة{ قل إنَّنِي هداني ربِّي إلى صراط مستقيم ديناً قيّماً } الأنعام 161 لأنّ المقصود منها تحصيل الصّلاح في الدّنيا والآخرة فشبّهت بالطّريق الموصل السّائر فيه إلى غرضه ومقصده.