الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

جملة { ثمانية أزواج } حال منمن الأنعام } الأنعام 142. ذكر توطئة لتقسيم الأنعام إلى أربعة أصناف الّذي هو توطئة للردّ على المشركين لقوله { قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } إلى قوله { أم كنتم شهداء } أي أنشأ من الأنعام حمولة إلى آخره حالة كونها ثمانية أزواج. والأزواج جمع زوج، والزوج اسم لذات منضمَّة إلى غيرها على وجه الملازمة، فالزّوج ثان لواحد، وكلّ من ذيْنِك الاثنين يقال له زوج، باعتبار أنّه مضموم، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالىوقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجَنَّة } في سورة البقرة 35، ويطلق الزوج غالباً على الذّكر والأنثى من بني آدم المتلازمين بعقدة نكاح، وتوسّع في هذا الإطلاق فأطلق بالاستعارة على الذّكر والأنثى من الحيوان الّذي يتقارن ذكره وأنثاه مثل حمار الوحش وأتانه، وذكر الحمام وأنثاه، لشبهها بالزوجين من الإنسان. ويطلق الزّوج على الصنف من نوع كقوله تعالىومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين } في سورة الرّعد 3. وكلا الإطلاقين الأخيرين صالح للإرادة هنا لأنّ الإبل والبقر والضأن والمعز أصناف للأنعام، ولأنّ كلّ ذلك منه ذكر وأنثى. إذ المعنى أنّ الله خلق من الأنعام ذكرها وأنثاها، فالأزواج هنا أزواج الأصناف، وليس المراد زوْجاً بعينه، إذ لا تعرف بأعيانها، فثمانية أزواج هي أربعة ذكور من أربعة أصناف وأربعُ إناث كذلك. وقوله { من الضأن اثنين ومن المعز اثنين } أُبدل { اثنين } من قوله { ثمانية أزواج } قوله { اثنين } بدلَ تفصيل، والمراد اثنين منها أي من الأزواج، أي ذَكَرٌ وأنثى كلّ واحد منهما زوج للآخر، وفائدة هذا التّفصيل التوصّل لذكر أقسام الذّكور والإناث توطئة للاستدلال الآتي في قوله { قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } الآية. وسُلك في التّفصيل طريق التّوزيع تمييزاً للأنواع المتقاربة، فإنّ الضأن والمعز متقاربان، وكلاهما يذبح، والإبلَ والبقرَ متقاربة، والإبلُ تنحر، والبقر تذبح وتُنحر أيضاً. ومن البقر صنف له سنام فهو أشبه بالإبل ويوجد في بلاد فارس ودخل بلاد العرب وهو الجاموس، والبقرُ العربي لا سنام له وثَورها يسمّى الفريش. ولمّا كانوا قد حرّموا في الجاهليّة بعض الغنم، ومنها ما يسمّى بالوصيلة كما تقدّم، وبعض الإبل كالبَحيرة والوصيلة أيضاً، ولم يحرّموا بعض المعز ولا شيئاً من البقر، ناسب أن يؤتى بهذا التّقسيم قبل الاستدلال تمهيداً لتحكّمهم إذْ حرّموا بعض أفراد من أنواع، ولم يحرّموا بعضاً من أنواع أخرى، وأسباب التّحريم المزعومة تتأتى في كلّ نوع فهذا إبطال إجمالي لما شرعوه وأنَّه ليس من دين الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. وهذا الاستدلال يسمى في علم المناظرة والبحث بالتحكّم. والضأن ــــ بالهمز ــــ اسم جمع للغَنم لا واحد له من لفظه، ومفرد الضأن شاة وجمعها شاءٌ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6