الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

{ وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَـٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ }. الواو في { وهو الذي أنشأ } للعطف، فيكون عطف هذه الجملة على جملةوحرّموا ما رزقهم الله } الأنعام 140 تذكيراً بمنة الله تعالى على النّاس بما أنشأ لهم في الأرض ممّا ينفعهم، فبعد أن بيّن سوء تصرّف المشركين فيما مَنّ به على النّاس كلّهم مع تسفيه آرائهم في تحريم بعضها على أنفسهم، عطف عليه المنّة بذلك استنزالاً بهم إلى إدراك الحقّ والرّجوععِ عن الغي، ولذلك أعيد في هذه الآية غالب ما ذكر في نظيرتها المتقدّمة في قولهوهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيء فأخرجنا منه خَضِراً نُخرِج منه حبّاً متراكباً ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزّيتون والرمّان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه } الأنعام 99 لأنّ المقصود من الآية الأولى الاستدلال على أنَّه الصّانع، وأنَّه المنفرد بالخلق، فكيف يشركون به غيره. ولذلك ذيّلها بقولهإنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } الأنعام 99، وعطف عليها قولهوجعلوا لله شركاء الجنّ } الأنعام 100 الآيات. والمقصود من هذه الامتنانُ وإبطالُ ما ينافي الامتنان ولذلك ذيّلت هذه بقوله { كلوا من ثمره إذا أثمر }. والكلام موجّه إلى المؤمنين والمشركين، لأنَّه اعتبار وامتنان، وللمؤمنين الحظّ العظيم من ذلك، ولذلك أعقب بالأمر بأداء حق الله في ذلك بقوله { وآتوا حقه يوم حصاده } إذ لا يصلح ذلك الخطاب للمشركين. وتعريف المسند يفيد الاختصاص، أي هو الّذي أنشأ لا غيره، والمقصود من هذا الحصرِ إبطالُ أن يكون لغيره حظّ فيها، لإبطال ما جعلوه من الحرث والأنعام من نصيب أنصامهم مع أنّ الله أنشأه. والإنشاءُ الإيجاد والخلق، قال تعالىإنَّا أنشأناهنّ إنشاءً } الواقعة 35 أي نساء الجنّة. والجنّات هي المكان من الأرض النّابت فيه شجر كثير بحيث يَجِنّ أي يَستر الكائن فيه، وقد تقدّم عند قولهكمثل جنّة برُبْوة } في سورة البقرة 265. وإنشاؤها إنباتها وتيسير ذلك بإعطائها ما يعينها على النماء، ودفعِ ما يفسدها أو يقطع نبتها، كقولهأأنتم تزرعونه أم نحن الزّارعون } الواقعة 64. والمعروشات المرفوعات. يقال عرش الكرمة إذا رفعها على أعمدة ليكون نماؤها في ارتفاع لا على وجه الأرض، لأنّ ذلك أجود لعنبها إذ لم يكن ملقى على وجه الأرض. وعَرش فعل مشتقّ من العَرْش وهو السقف، ويقال للأعمدة التي تُرفع فوقها أغصان الشّجر فتصير كالسّقف يَستظلّ تحته الجالسُ العَريشُ. ومنه ما يذكر في السيرة العريش الّذي جُعل للنّبيء صلى الله عليه وسلم يومَ بدر، وهو الّذي بني على بقعته مسجد بعد ذلك هو اليوم موجود ببدر. ووصف الجنّات بمعروشات مجاز عقلي، وإنَّما هي معروش فيها، والمعروش أشجارها.

السابقالتالي
2 3 4 5