الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }

عطف على قولهوقالوا هذه أنعام وحرث حجر } الأنعام 138. وأعيد فعل { قالوا } لاختلاف غرض المقول. والإشارة إلى أنعام معروفة بينهم بصفاتها، كما تقدّم، أو إلى الأنعام المذكورة قبل. ولا يتعلّق غرض في هذه الآية بأكثر من إجمال الأشياء الّتي حرموها لأنّ المقصود التّعجيب من فساد شرعهم كما تقدّم آنفاً، وهذا خبر عن دينهم في أجنّة الأنعام التي حجروها أو حرّموا ظهورها، فكانوا يقولون في أجنّة البحيرة والسّائبة إذا خرجت أحياء يحلّ أكلها للذكور دون النّساء، وإذا خرجت ميّتة حلّ أكلها للذّكور والنّساء، فالمراد بما في البطون الأجنة لا محالة لقوله { وإن يكن ميتة } وقد كانوا يقولون في ألبان البحيرة والسّائبة يشربها الرّجال دون النّساء، فظنّ بعض المفسّرين أنّ المراد بما في بطون الأنعام ألبانها، وروي عن ابن عَبّاس، ولا ينبغي أن يكون هو معنى الآية ولكن محمل كلام ابن عبّاس أنّ ما في البطون يشمل الألبان لأنَّها تابعة للأجنّة وناشئة عن ولادتها. والخالصة السّائغة، أي المباحة، أي لا شائبةَ حَرج فيها، أي في أكلها، ويقابله قوله { ومحرم }. وتأنيث { خالصة } لأنّ المراد بمَا الموصولة { الأجِنَّة } فروعي معنى ما وروعي لفظ ما في تذكير { محرّم }. والمحرّم الممنوع، أي ممنوع أكله، فإسناد الخلوص والتّحريم إلى الذّوات بتأويل تحريم ما تقصد له وهو الأكل أو هو والشرب بدلالة الاقتضاء. والأزواج جمع زوج، وهو وصف للشّيء الثّاني لغيره، فكلّ واحد من شيئين اثنين هو زوج، ولذلك سمّي حليل المرأة زوجاً وسمّيت المرأة حليلةُ الرّجل زوجاً، وهو وصف يلازم حالة واحدة فلا يُؤنث ولا يثنّى ولا يجمع. وقد تقدّم عند قوله تعالىوقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة } في سورة البقرة 35. وظاهر الآية أن المراد أنّه محرّم على النساء المتزوّجات لأنّهم سمّوهنّ أزواجاً، وأضافوهنّ إلى ضميرهم، فتعيّن أنَّهن النّساء المتزوّجات بهم كما يقال امرأة فلان. وإذا حملناه على الظاهر وهو الأوْلى عندي كان ذلك دالاً على أنّهم كانوا يتشاءمون بأكل الزّوجات لشيء ذي صفة كانوا يكرهون أن تصيب نساءَهم مثللِ العقم، أو سوءِ المعاشرة مع الأزواج، والنّشوز، أو الفراق، أو غير ذلك من أوهام أهل الجاهليّة وتكاذيبهم، أو لأنّه نَتاج أنعام مقدّسة، فلا تحلّ للنّساء، لأنّ المرأة مرموقة عند القدماء قبل الإسلام بالنّجاسة والخباثة، لأجل الحيض ونحو ذلك، فقد كانت بنو إسرائيل يمنعون النّساء دخول المساجد، وكان العرب لا يؤاكلون الحائض، وقالت كبشة بنت معديكرب تعيّر قومها
ولا تَشرَبُوا إلاّ فُضُولَ نسائكم إذا ارتَمَلَتْ أعقابُهن منَ الدّم   
وقال جمهور المفسّرين أطلق الأزواج على النّساء مطلقاً، أي فهو مجاز مرسل بعلاقة الإطلاق والتّقييد، فيشمل المرأة الأيّم ولا يشمل البناتتِ، وقال بعضهم أريد به البنات أي بمجاز الأوْل فلعلّهم كانوا يتشاءمون بأكل البنات منه أن يصيبهن عسر التّزوّج، أو ما يتعيَّرون منه، أو نحو ذلك.

السابقالتالي
2