لمّا ذكر ثواب القوم الّذين يتذّكرون بالآيات، وهو ثواب دار السّلام، ناسب أن يعطف عليه ذكر جزاء الّذين لا يتذكّرون، وهو جزاء الآخرة أيضاً، فجملة { ويوم يحشرهم } إلخ معطوفة على جملة{ لهم دار السّلام عند ربّهم } الأنعام 127. والمعنى وللآخرين النّار مثواهم خالدين فيها. وقد صُوّر هذا الخبر في صورة ما يقع في حسابهم يوم الحشر، ثمّ أُفضي إلى غاية ذلك الحساب، وهو خلودهم في النّار. وانتصب { يومَ } على المفعول به لفعل محذوف تقديره اذْكُر، على طريقة نظائره في القرآن، أو انتصب على الظرفيّة لفعل القول المقدّر. والضّمير المنصوب بــــ { نحشرهم } عائد إلى{ الذين أجرموا } الأنعام 124 المذكور في قوله{ سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله } الأنعام 124، أو إلى{ الذين لا يؤمنون } الأنعام 125 في قوله { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون }. وهؤلاء هم مقابل الّذين يتذكّرون، فإنّ جماعة المسلمين يُعتَبرون مخاطبين لأنّهم فريق واحد مع الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ويعتبر المشركون فريقاً مبائناً لهم بعيداً عنهم، فيتحدّث عنهم بضمير الغيبة، فالمراد المشركون الّذين ماتوا على الشّرك وأُكّد بــــ { جميعاً } ليعمّ كلّ المشركين، وسادتهم، وشياطينهم، وسائر عُلَقهم. ويجوز أن يعود الضّمير إلى الشّياطين وأوليائهم في قوله تعالى{ وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم } الأنعام 121 إلخ. وقرأ الجمهور { نحشرهم } ــــ بنون العظمة ــــ على الالتفات. وقرأه حفص عن عاصم، ورَوْح عن يعقوب ــــ بياء الغيبة ــــ ولمّا أسند الحشر إلى ضمير الجلالة تعيّن أنّ النداء في قوله { يا معشر الجن } من قِبل الله تعالى، فتعيّن لذلك إضمار قول صادر من المتكلّم، أي نقول يا معشر الجنّ، لأنّ النّداء لا يكون إلاّ قولاً. وجملة { يا معشر الجن } إلخ مقول قول محذوف يدلّ عليه أسلوب الكلام، والتّقدير نقول أو قائلين. والمعشر الجماعة الّذين أمرهم وشأنهم واحد، بحيث تجمعهم صفة أو عمل، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه. وهو يُجمع على معاشر أيضاً، وهو بمعناه، وهو مشتقّ من المعاشرة والمخالطة. والأكثر أن يضاف المعشر إلى اسم يبيّن الصّفة الّتي اجتمع مسمّاه فيها، وهي هنا صفة كونهم جنّاً، ولذلك إذا عُطف على ما يضاف إليه كان على تقدير تثنية معشراً وجمْعِه فالتثنية نحو{ يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا } الرحمٰن 33 الآية، أي يا معشر الجنّ ويا معشر الإنس، والجمع نحو قولك يا معاشر العرب والعجم والبربر. والجنّ تقدّم في قوله{ وجعلوا لله شركاء الجنّ } في هذه السّورة 100. والمراد بالجنّ الشّياطين وأعوانهم من بني جنسهم الجنّ، والإنس تقدّم عند قوله{ شياطين الإنس والجنّ } في هذه السّورة 112. والاستكثار شدّة الإكثار. فالسّين والتّاء فيه للمبالغة مثل الاستسلام والاستخداع والاستكبار، ويتعدى بمن البيانية إلى الشيء المتّخذِ كثيرُه، يقال استكثر من النَّعم أو من المال، أي أكثر من جمعهما، واستكثر الأمير من الجند، ولا يتعدّى بنفسه تفرقة بين هذا المعنى وبين استكثر الّذي بمعنى عدّ الشّيء كثيراً، كقوله تعالى