الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ }

{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ }. عطف على جملةجعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها } الأنعام 123 لأنّ هذا حديث عن شيء من أحوال أكابر مجرمي مكّة، وهم المقصود من التّشبيه في قوله { وكذلك جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها. ومكّة هي المقصود من عموم كلّ قرية كما تقدّم، فالضّمير المنصوب في قوله جاءتهم } عائدٌ إلىأكابر مجرميها } الأنعام 123، باعتبار الخاصّ المقصود من العموم، إذ ليس قولُ { لن نؤمن حتى نؤتي مثل ما أوتي رسل الله } بمنسوب إلى جميع أكابر المجرمين من جميع القرى. والمعنى إذا جاءتهم آية من آيات القرآن، أي تُليت عليهم آية فيها دعوتهم إلى الإيمان. فعبّر بالمجيء عن الإعلام بالآية أو تلاوتها تشبيها للإعلام بمجيء الدّاعي أو المرسل. والمراد أنَّهم غير مقتنعين بمعجزة القرآن، وأنَّهم يطْلبون معجزات عَيْنية مثل معجزة موسى ومعجزة عيسى، وهذا في معنى قولهمفليأتنا بآية كما أرسل الأوّلون } الأنبياء 5 لجهلهم بالحكمة الإلهيّة في تصريف المعجزات بما يناسب حال المرسل إليهم، كما حكى الله تعالىوقَالوا لولا أنزل عليه آيات من ربّه قل إنَّما الآيات عند الله وإنَّما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنَّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إنّ في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون } العنكبوت 50، 51 وقال النّبيء صلى الله عليه وسلم " ما من الأنبياء نبيء إلاّ أعطي من الآيات ما مِثْلُه آمنَ عليه البشر، وإنَّما كان الّذي أوتيتُ وحياً أوحى الله إليّ " الحديث. وأطلق على إظهار المعجزة لديهم بالإيتاء في حكاية كلامهم إذ قيل { حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله } لأنّ المعجزة لمّا كانت لإقناعهم بصدق الرّسول عليه الصّلاة والسلام أشبهت الشّيء المعطى لهم. ومعنى { مثل ما أوتى رسل الله } مثل ما أتَى اللَّهُ الرّسلَ من المعجزات الّتي أظهروها لأقوامهم. فمرادهم الرّسل الّذين بَلغتهم أخبارهم. وقيل قائل ذلك فريق من كبراء المشركين بمكّة، قال الله تعالىبل يريد كل امرىء منهم أن يُؤتى صحفاً مُنَشَّرة } المدثر 52. روي أنّ الوليد بن المغيرة، قال للنّبيء صلى الله عليه وسلم لو كانت النّبوءةُ لكنتُ أولى بها منكَ لأنّي أكبرُ منك سِنّا وأكثر مالاً وولداً وأنّ أبا جهل قال زاحمَنا يعني بني مخزوم بنو عبد مناف في الشّرف، حتّى إذا صرنا كفَرسَيْ رِهاننٍ قالوا مِنّا نبيء يُوحى إليه، والله لا نرضى به ولا نتّبعه أبداً إلاّ أن يأتينا وحي كما يأتيه. فكانت هذه الآية مشيرة إلى ما صدر من هذين، وعلى هذا يكون المراد حتّى يأتينا وَحْي كما يأتي الرّسلَ. أو يكون المراد برسل الله جميع الرّسل، فعدلوا عن أن يقولوا مثل ما أوتي محمّد صلى الله عليه وسلم لأنّهم لا يؤمنون بأنّه يأتيه وحي.

السابقالتالي
2 3