الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ }

{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ }. عطف على قولهفكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه } الأنعام 118. والخطاب للمسلمين. و { مَا } للاستفهام، وهو مستعمل في معنى النّفي أي لا يَثبت لكم عدم الأكل ممّا ذُكر اسم الله عليه، أي كلوا ممّا ذكر اسم الله عليه. واللام للاختصاص، وهي ظرف مستقرّ خبر عن ما، أي ما استقرّ لكم. و { أن لا تأكلوا } مجرور بـــ في محذوفة. مع أنْ. وهي متعلّقة بما في الخبر من معنى الاستقرار، وتقدّم بيان مثل هذا التّركيب عند قوله تعالىقالوا وما لَنا أَلاَّ نقاتل في سبيل الله } في سورة البقرة 246. ولم يفصح أحد من المفسّرين عن وجه عطف هذا على ما قبله، ولا عن الدّاعي إلى هذا الخطاب، سوى ما نقله الخفاجي في حاشية التّفسير ــــ عمّن لقَّبه علم الهدى ولعلّه عنى به الشّريف المرتضى أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ المسلمين كانوا يتحرّجون من أكل الطيّبات، تقشّفاً وتزهّداً اهــــ، ولعلّه يريد تزهّداً عن أكل اللّحم، فيكون قوله تعالى { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } استطراداً بمناسبة قوله قبلهفكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه } الأنعام 118، وهذا يقتضي أنّ الاستفهام مستعمل في اللّوم، ولا أحسب ما قاله هذا الملقّب بعلم الهدى صحيحاً ولا سند له أصلاً. قال الطّبري ولا نعلم أحداً من سلف هذه الأمّة كفّ عن أكل ما أحلّ اللَّه من الذّبائح. والوجه عندي أنّ سبب نزول هذه الآية ما تقدّم آنفاً من أنّ المشركين قالوا للنّبيء صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، لمّا حَرّم الله أكل الميتة " أنأكل ما نَقتل ولا نَأكل ما يقتلُ اللَّهُ " يعنون الميتة، فوقع في أنفس بعض المسلمين شيء، فأنزل الله { وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه } أي فأنبأهم الله بإبطال قياس المشركين المُموّهِ بأنّ الميتة أولى بالأكل ممّا قتله الذّابح بيده، فأبدى الله للنّاس الفرق بين الميتة والمذكّى، بأنّ المذكّى ذُكر اسم الله عليه، والميتة لا يذكر اسم الله عليها، وهو فارق مؤثّر. وأعرض عن محاجة المشركين لأنّ الخطاب مسوق إلى المسلمين لإبطال محاجّة المشركين فآل إلى الرد على المشركين بطريق التعريض. وهو من قبيل قوله في الردّ على المشركين، في قولهمإنَّما البيعُ مثل الرّبا } البقرة 275، إذ قالوأحلّ الله البيع وحرّم الرّبا } البقرة 275 كما تقدّم هنالك، فينقلب معنى الاستفهام في قوله { وما لكم أن لا تأكلوا } إلى معنى لا يسوِّلْ لكم المشركون أكل الميتة، لأنّكم تأكلون ما ذكر اسم الله عليه، هذا ما قالوه وهو تأويل بعيد عن موقع الآية.

السابقالتالي
2 3