الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

أُعقِب ذكرُ عناد المشركين، وعداوتِهم للرسول صلى الله عليه وسلم وولايتهم للشّياطين، ورضاهم بما توسوس لهم شياطين الجنّ والإنس، واقترافهم السيّئات طاعة لأوليائهم، وما طَمْأن به قلب الرّسول صلى الله عليه وسلم من أنّه لقي سنّة الأنبياء قبلَه من آثار عداوة شياطين الإنس والجنّ، بذكر ما يهون على الرّسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ما يرونه من كثرة المشركين وعزّتهم، ومن قلّة المسلمين وضعفهم، مع تحذيرهم من الثّقة بقولهم، والإرشاد إلى مخالفتهم في سائر أحوالهم، وعدم الإصغاء إلى رأيهم، لأنَّهم يُضِلّون عن سبيل الله، وأمرِهم بأن يلزموا ما يرشدهم الله إليه. فجملة { وإن تطع } متّصلة بجملةوكذلك جعلنا لكل نبيء عدوّا شياطين الإنس والجنّ } الأنعام 112 وبجملةأفغير الله أبتغي حكماً } الأنعام 114 وما بعدها إلىوهو السميع العليم } الأنعام 115. والخطاب للنّبي صلى الله عليه وسلم والمقصود به المسلمون مثل قوله تعالىلئن أشركت ليحبطنّ عملك } الزمر 65. وجيء مع فعل الشّرط بحرف إنْ الّذي الأصل فيه أن يكون في الشّرط النّادر الوقوع، أو الممتنع إذا كان ذكره على سبيل الفرض كما يفرض المحال، والظاهر أنّ المشركين لمّا أيسوا من ارتداد المسلمين، كما أنبأ بذلك قوله تعالىقل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا } الأنعام 71 الآية، جَعلوا يلقون على المسلمين الشُبه والشكوك في أحكام دينهم، كما أشار إليه قوله تعالى عقب هذاوإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإنْ أطعتموهم إنّكم لمشركون } الأنعام 121. وقد روى الطّبري عن ابن عبّاس، وعكرمة أنّ المشركين قالوا «يا محمّد أخبرنا عن الشّاة إذا ماتَتْ مَنْ قَتلها يريدون أكل الشّاة إذا ماتت حتف أنفها دون ذبح ــــ قال ــــ اللَّهُ قتَلها ــــ فتزعم أنّ ما قتلتَ أنت وأصحابُك حلال وما قتل الكلبُ والصَقر حلال وما قتله الله حرام» فوقع في نفس ناس من المسلمين من ذلك شيء وفي «سنن التّرمذي»، عن ابن عبّاس قال " أتى أناس النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله أنأكل ما نقتل ولا نأكل ما يقتل اللَّهُ " فأنزل اللهفكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه } الأنعام 118 الآية. قال التّرمذي هذا حديث حسن غريب. فمن هذا ونحوه حَذّر الله المسلمين من هؤلاء، وثبّتهم على أنّهم على الحقّ، وإن كانوا قليلاً. كما تقدّم في قولهقل لا يستوي الخبيث والطيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث } المائدة 100. والطاعة اسم للطّوع الّذي هو مصدر طاع يطوع، بمعنى انقاد وفَعَل ما يؤمر به عن رضى دون ممانعة، فالطاعة ضدّ الكره. ويقال طاع وأطاع، وتستعمل مجازاً في قبول القول، ومنه ما جاء في الحديث " فإن هم طاعوا لك بذلك فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم زكاة أموالهم "

السابقالتالي
2 3 4