الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَـٰجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ }. إن كانت هذه الآية والآيتان اللتان بعدها نزلت مع الآية التي قبلها حسبما يقتضيه ظاهر ترتيب التلاوة كان قوله تعالى { نهوا عن النجوى } مؤذناً بأنه سبق نهي عن النجوى قبل نزول هذه الآيات، وهو ظاهر قول مجاهد وقتادة نزلت في قوم من اليهود والمنافقين نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التناجي بحضرة المؤمنين فلم ينتهوا، فنزلت، فتكون الآيات الأربع نزلت لتوبيخهم وهو ما اعتمدناه آنفاً. وإن كانت نزلت بعد الآية التي قبلها بفترة كان المراد النهي الذي أشار إليه قوله تعالىثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } المجادلة 7 كما تقدم، بأن لم ينتهوا عن النجوى بعد أن سمعوا الوعيد عليها بقوله تعالى { ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } ، فالمراد بـ { الذين نهوا عن النجوى } هم الذين عنوا بقولهما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } المجادلة 7 الآية. و { ثم } في قوله { ثم يعودون } للتراخي الرتبي لأن عودتهم إلى النجوى بعد أن نهوا عنها أعظم من ابتداء النجوى لأن ابتداءها كان إثماً لما اشتملت عليه نجواهم من نوايا سيّئة نحو النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فأما عودتهم إلى النجوى بعد أن نُهوا عنها فقد زادوا به تمرداً على النبي صلى الله عليه وسلم ومشاقّة للمسلمين. فالجملة مُستأنفة استئنافاً ابتدائياً اقتضاه استمرار المنافقين على نجواهم. والاستفهام في قوله { ألم ترَ إلى الذين نُهُوا عن النجوى } تَعجِيبي مراد به توبيخهم حين يسمعونه. والرؤية بصرية بقرينة تعديتها بحرف { إلى }. والتعريف في { النجوى } تعريف العهد لأن سياق الكلام في نوع خاص من النجوى. وهي النجوى التي تحزن الذين آمنوا كما ينبىء عنه قوله تعالىإنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا } المجادلة 10. ويجوز أن يكون النهي عن جنس النجوى في أول الأمر يعمّ كل نجوى بمرأى من الناس سَدًّا للذريعة، قال الباجي في «المنتقى» روي أن النهي عن تناجي اثنين أو أكثر دون واحد أنه كان في بَدء الإِسلام، فلما فشا الإِسلام وآمن الناس زال هذا الحكم لزوال سببه. قال ابن العربي في «أحكام القرآن» عند قوله تعالىلا خير في كثير من نجواهم } الآية 114 في سورة النساء إن الله تعالى أمر عباده بأمرين عظيمين أحدهما الإِخلاص وهو أن يستوي ظاهر المرء وباطنه، والثاني النصيحة لكتاب الله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فالنجوى خلاف هذين الأصلين وبعدَ هذا فلم يكن بد للخلق من أمر يختصون به في أنفسهم ويَخُص به بعضهم بعضاً فرخص في ذلك بصفة الأمر بالمعروف والصدقة وإصلاح ذات البين اهـ.

السابقالتالي
2 3 4