الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } * { وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ } * { فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ } * { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ }

لما اقتضى الكلام بحذافره أن الإِنسان صاحب الروح صائر إلى الجزاء فرع عليه إجمال أحوال الجزاء في مراتب الناس إجمالاً لما سبق تفصيله بقولهوكنتم أزواجاً ثلاثة } الواقعة 7 إلى قولهلا بَارِدٍ ولا كريم } الواقعة 44 ليكون هذا فذلكة للسورة وردّاً لعجزها على صدرها. فضمير { إن كان } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { إليه } من قولهونحن أقرب إليه منكم } الواقعة 85. والمقربون هم السابقون الذين تقدم ذكرهم في قوله تعالىوالسابقون السابقون أولئك المقربون } الواقعة 85 وأصحاب اليمين قد تقدم والمكذبون الضالون هم أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم. وقد ذكر لكل صنف من هؤلاء جزاء لم يُذكر له فيما تقدم ليضم إلى ما أعدّ له فيما تقدم على طريقة القرآن في توزيع القصة. والرَّوْح بفتح الراء في قراءة الجمهور، وهو الراحة، أي فرَوْح له، أي هو في راحة ونعيم، وتقدم في قولهولا تيأسوا من روح الله } في سورة يوسف 87. وقرأه رويس عن يعقوب بضم الراء. ورويت هذه القراءة عن عائشة عن النبي عند أبي داود والترمذي والنسائي، أي أن رسول الله روي عنه الوجهان، فالمشهور روي متواتراً، والآخر روي متواتراً وبالآحاد، وكلاهما مراد. ومعنى الآية على قراءة ضم الراء أن روحه معها الريحان وهو الطيب وجنة النعيم. وقد ورد في حديث آخر أن رُوح المؤمن تخرج طيبة. وقيل أطلق الرُّوح بضم الراء على الرحمة لأن من كان في رحمة الله فهو الحيّ حقاً، فهو ذو روح، أما من كان في العذاب فحياته أقل من الموت، قال تعالىلا يموت فيها ولا يحيى } الأعلى 13، أي لأنه يتمنى الموت فلا يجده. والريحان شجر لورقة وقضبانه رائحة ذكية شديد الخضرة كانت الأمم تزين به مجالس الشراب. قال الحريري «وطوراً يستبزل الدنان، ومرة يستنثق الريحان» وكانت ملوك العرب تتخذهُ، قال النابغة
يُحَيَّوْن بالريحان يوم السباسب   
وتقدم عند قوله تعالىوالحبّ ذو العصف والريحان } في سورة الرحمٰن 12، فتخصيصه بالذكر قبل ذكر الجنة التي تحتوي عليه إيماء إلى كرامتهم عند الله، مثل قولهوالملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } الرعد 23، 24. وجملة { فروح وريحان } جواب أما التي هي بمعنى مهما يكن شيء. وفُصل بين ما المتضمنة معنى اسم شرط وبين فعل شرط وبين الجواب بشرط آخر هو { إن كان من المقربين } لأن الاستعمال جرى على لزوم الفصل بين أمّا وجوابها بفاصل كراهية اتصال فاء الجواب بأداة الشرط لما التزموا حذف فعل الشرط فأقاموا مقامه فاصلاً كيفَ كان. وجواب إن الشرطية محذوف أغنى عنه جواب أمَّا. وكذلك قوله { فسلام لك من أصحاب اليمين }. والسلام اسم للسلامة من المكروه، ويطلق على التحية، واللام في قوله { لك } للاختصاص.

السابقالتالي
2