الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } * { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ } * { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } * { بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } * { وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } * { وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { وَحُورٌ عِينٌ } * { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } * { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } * { إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً }

الجار والمجرور خبر ثالث عنأولئك المقربون } الواقعة 11 أو حال ثانية من اسم الإِشارة. وهذا تبشير ببعض ما لهم من النعيم مما تشتاق إليه النفوس في هذه الحياة الدنيا لتشويقهم إلى هذا المصير فيسعوا لنواله بصالح الأعمال، وليس الاقتصار على المذكور هنا بمقتض حصر النعيم فيما ذكر فقد قال الله تعالىوفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين } الزخرف 71. والسُرر جمع سرير، وهو كرسي طويل متسع يجلس عليه المتكىء والمضطجع، له سُوق أربع مرتفع على الأرض بنحو ذراع يُتخذ من مختلف الأعواد ويتخذه الملوك من ذهب ومن فضة ومن عاج ومن نفيس العود كالأبنوس ويتخذه العظماء المترفهون من الحديد الصرف ومن الحديد الملون أو المزين بالذهب. والسرير مجلس العظماء والملوك. وتقدم في قوله تعالىعلى سرر متقابلين } في سورة الصافات 44. والموضونة المسبوك بعضها ببعض كما تسبك حلق الدروع وإنما توضن سطوحها وهي ما بين سوقها الأربع حيث تلقى عليها الطنافس أو الزرابي للجلوس والاضطجاعِ ليكون ذلك المَفْرَش وثيراً فلا يؤلم المضطجع ولا الجالس. وفسر بعضهم { موضونة } بمرمولة، أي منسوجة بقضبان الذهب. والاتكاء اضطجاع مع تباعد أعلى الجنب، والاعتمادِ على المرفق، وتقدم في سورة الرحمٰن. والتقابل من تمام النعيم لما فيه من الأنس بمشاهدة الأصحاب والحديث معهم. وقوله { يطوف عليهم ولدان مخلدون } بيان لجملةفي جنات النعيم } الواقعة 12 وتقدم قريب منه في سورة الصافات. والطواف المشي المكرر حول شيء وهو يقتضي الملازمة للشيء. ووصف الولدان بالمخلدين، أي دائمين على الطواف عليهم ومناولتهم لا ينقطعون عن ذلك. وإذ قد ألفوا رؤيتهم فمن النعمة دوامهم معهم. وقد فسر { مخلدون } بأنهم مخلدون في صفة الولدان، أي بالشباب والغضاضة، أي ليسوا كولدان الدنيا يصيرون قريباً فتياناً فكهولاً فشُيوخاً. وفسره أبو عبيدة بأنهم مقرطون بالأقراط. والقرط يسمى خُلْداً وخَلَدا وجمعه خِلَدَة كقِردة وهي لغة حميرية استعملها العرب كلهم وكانوا يحسِّنون غلمانهم بالأقراط في الآذان. والأكواب جمع كوب، وهو إناء الخمر لا عروة له وله خرطوم وفيه استدارة متسعٌ موضعُ الشرب منه فهو كالقَدَح. والأباريق جمع إبريق وهو إناء تحمل فيه الخمر للشاربين فتُصب في الأكواب، والإِبريق له خرطوم وعروة. والكأس إناء للخمر كالكوب إلا أنه مستطيل ضيق المَشرب وتقدم في سورة الصافات. والكأس جنس يصدق بالواحد والمتعدد فليس إفراده هنا للوحدة فإن المراد كؤوس كثيرة كما اقتضاه جمع أكواب وأباريق، فإذا كانت آنية حمل الخمر كثيرة كانت كؤوس الشاربين أكثر، وإنما أوثرت صيغة المفرد لأن في لفظ كؤوس ثقلاً بوجود همزة مضمومة في وسطه مع ثقل صيغة الجمع. والمعين الجاري، والمراد به الخمر التي لكثرتها تجري في المجاري كما يجري الماء وليست قليلة عزيزة كما هي في الدنيا، قال تعالى

السابقالتالي
2 3