الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ }

اعتراض بين جملةفي جنات النعيم } الواقعة 12 وجملة علىسرر موضونة } الواقعة 15. و { ثلة } خبر عن مبتدأ محذوف، تقديره هم ثلة، ومعاد الضمير المقدر «السابقون»، أي السابقون ثلة من الأولين وقليل من الآخرين. وهذا الاعتراض يقصد منه التنويه بصنف السابقين وتفضيلهم بطريق الكناية عن ذلك بلفظي { ثلة } و { قليل } المشعرَيْن بأنهم قُلٌّ من كثر، فيستلزم ذلك أنهم صنف عزيز نفيس لما عهد في العرف من قلة الأشياء النفيسة وكقول السموأل ـــ وقيل غيرِه ـــ
تعيرنا أنّا قليل عديدنا فقلت لها إن الكرام قليل   
مع بشارة المسلمين بأن حظهم في هذا الصنف كحظ المؤمنين السالفين أصحاب الرسل لأن المسلمين كانوا قد سمعوا في القرآن وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تنويهاً بثبات المؤمنين السالفين مع الرسل ومجاهدتهم فربما خامر نفوسهم أن تلك صفة لا تُنال بعدهم فبشرهم الله بأن لهم حظاً منها مثل قوله تعالىوما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتهم على أعقابكم } إلى قولهوكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين } آل عمران 144 ـــ 146 وغيرها، تلهيباً للمسلمين وإذكاء لهممهم في الأخذ بما يُلحقهم بأمثال السابقين من الأولين فيستكثروا من تلك الأعمال. وفي الحديث " لقَد كان من قبلكم يوضع المِنْشار على أحدهم فينشر إلى عظمه لا يصده ذلك عن دينه " والثُلَّة بضم الثاء لا غير اسم للجماعة من الناس مطلقاً قليلاً كانوا أو كثيراً، وهذا هو قول الفراء وأهل اللغة والراغب وصاحب «لسان العرب» وصاحب «القاموس» والزمخشري في «الأساس»، وقال الزمخشري في «الكشاف» إن الثلة الأمة الكثيرة من الناس ومحمله على أنه أراد به تفسير معناها في هذه الآية لا تفسير الكلمة في اللغة. ولما في هذا الاعتراض من الإِشعار بالعزة قدم على ذكر ما لهم من النعيم للإِشارة إلى عظيم كيفيته المناسبةِ لوصفهم بـــــ السابقين بخلاف ما يأتي في أصحاب اليمين. ومعنى { الأولين } قوم متقدمون على غيرهم في الزمان لأن الأول هو الذي تقدم في صفة مَّا كالوجود أو الأحوال على غير الذي هو الآخِر أو الثاني، فالأوّلية أمر نسبي يبيّنه سياق الكلام حيثما وقع. فالظاهر أن { الأولين } هنا مراد بهم الأمم السابقة قبل الإسلام بناء على ما تقدم من أن الخطاب في قولهوكنتم أزواجاً ثلاثة } الواقعة 7 خطاب لجميع الناس بعنوان أنهم ناس لأن المنقرضين الذين يتقدمون من أمة أو قبيلة أو أهل نحلة يُدعون بالأوليين كما قال الفرزدق
ومهلهل الشعراء ذاك الأوّل   
وقال تعالىأو آباؤنا الأوّلون } الواقعة 48 الذين هم يخلفونهم ويكونون موجودين، أو في تقدير الموجودين يُدعون الآخرين.

السابقالتالي
2