قد علمت عند تفسير قوله تعالى{ إذا وقعت الواقعة } الواقعة 1 الوجه في متعلق { إذا } وإذ قد وقع قوله{ وكنتم أزواجاً ثلاثة } الواقعة 7 عطفاً على الجمل التي أضيف إليها إذَا من قوله{ إذَا رُجَّت الأرض رجّا } الواقعة 4 كان هو محط القصد من التوقيت بــــ إذا الثانية الواقعة بدلاً من إذا الأولى وكلتاهما مضمن معنى الشرط، فكان هذا في معنى الجزاء، فلك أن تجعل الفاء لربط الجزاء مع التفصيل للإجمال، وتكون جملة { فأصحاب الميمنة } جواباً لــــ إذا الثانية آئلاً إلى كونه جواباً لــــ إذا الأولى لأن الثانية مبدلة منها، ولذلك جاز أن يكون هذا هو جواب إذا الأولى فتكون الفاء مستعملة في معنييها كما تقدم عند قوله تعالى{ ليس لوقعتها كاذبة } الواقعة 2. وقد أفاد التفصيل أن الأصناف ثلاثة صنفٌ منهم أصحاب الميمنة، وهم الذين يجعلون في الجهة اليمنى في الجنة أو في المحشر. واليمين جهة عناية وكرامة في العرف، واشتقت من اليمْن، أي البركة. وصنف أصحاب المشأمة، وهي اسم جهة مشتقة من الشؤم، وهو ضد اليمن فهو الضر وعدم النفع وقد سميا في الآية الآتية{ أصحابَ اليمين } الواقعة 27 و{ أصحاب الشمال } الواقعة 41، فجعل الشمال ضدَّ اليمين كما جُعل المشأمة هنا ضد الميمنة إشعاراً بأن حالهم حال شؤم وسوء، وكل ذلك مستعار لما عرف في كلام العرب من إطلاق هذين اللفظين على هذا المعنى الكنائي الذي شاع حتى ساوى الصريح، وأصله جاءٍ من الزجر والعيافة إذ كانوا يتوقعون حصول خير من أغراضهم من مرور الطير أو الوحش من يمين الزاجر إلى يساره ويتوقعون الشر من مروره بعكس ذلك، وقد تقدم تفصيله عند قوله تعالى{ قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } في سورة الصافات 28، وتقدم شيء منه عند قوله تعالى{ يَطَّيَّروا بموسى ومن معه } في سورة الأعراف 131، وعند قوله تعالى{ قالوا إنا تَطيرنا بكم } في سورة يس 18. ولذلك استغني هنا عن الإخبار عن كلا الفريقين بخبر فيه وصف بعض حاليهما بذكر ما هو إجمال لحاليهما مما يشعر به ما أضيف إليه أصحابه من لفظي الميمنة والمشأمة بطريقة الاستفهام المستعمل في التعجيب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة، وهو تعجيب ترك على إبهامه هنا لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن من الخير والشر، فما في الموضعين اسم استفهام. وأصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة خبرَانِ عن مَا في الموضعين كقوله تعالى{ الحاقّة ما الحاقة } الحاقة 1، 2 وقوله{ القارعة ما القارعة } القارعة 1، 2. وإظهار لفظي { أصحاب الميمنة } و { أصحاب المشئمة } بعد الاستفهامين دون الإِتيان بضميريْهما. لأن مقام التعجيب والتشهير يقتضي الإظهار بخلاف مقام قوله تعالى{ وما أدراك ماهية } القارعة 10. وقوله { والسابقون } هذا الصنفُ الثالث في العدّ وهم الصنف الأفضل من الأصناف الثلاثة، ووصفُهم بالسبق يقتضي أنهم سابقون أمثالهم من المحسنين الذين عبر عنهم بأصحاب الميمنة فهم سابقون إلى الخير، فالناس لا يتسابقون إلا لنوال نفيس مرغوب لكل الناس، وأما الشر والضرّ فهم يتكعكون عنه.